للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من غلتها وإنما هو دليل على استحباب التراحم والتكافل والتعاون بين أفراد المجتمع المسلم وهذا المعنى هو الذي فهمه حبر الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما من الحديث، وقد نقل الإمام البخاري رحمه الله تعالى عن ابن عباس قوله (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَلَكِنْ قَالَ: أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مَعْلُومًا) (١) فهم ابن عباس من الحديث حث النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الأرض على أن يمنح أخاه ليعملها ويزرعها ويأخذ غلتها كاملة مقابل الثواب الأخروي لكونه محتاجاً ويتصدق عليه بما يخصه من غلتها مقابل ملكيته للأرض وهو خير لصاحب الأرض من تأجير الأرض من أخيه المسلم مقابل إعطاء المستأجر جزء معلوم من غلتها لصاحب الأرض لأن ثواب الأخرة خير وأبقى وأنفع لصاحب الأرض لقوله تعالى {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (٢)، ويجوز تأجير الأرض لمدة معلومة بالنقود لعمل أيِّ شيئ مباح عليها لأن الأصل الجواز.

[تحريم تأجير الأرض بما يخرج من جزء معلوم محدد منها]

س: هل يجوز للإنسان أن يؤجر الأرض بما يخرج من جزء معلوم منها كأن يقول أكريها منك بشرط ما يخرج من نصفها الشرقي أو الغربي أو الجنوبي أو الشمالي؟

جـ: لا يجوز تأجير الأرض بما يخرج من جزء معلوم محدد منها مثل أن يقول لبنة لك ولبنة لي ربما أن الجزء المعين هو الذي يصل إليه الماء والجزء الثاني مرتفع لا يصل إليه الماء أو أن الجزء المعين هو الخصيب والثاني غير خصيب، ولكن يجوز كراء الأرض بشطر ما يخرج منها كلها مثلما عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- في خيبر في حديث (أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَعْطَى خَيْبَرَ الْيَهُودَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا خَرَجَ مِنْهَا) وفي رواية (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَامَلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ) وذلك على نصف ما يحصل أو ثلثه أو أقل أو أكثر بحسب التراضي.

[تحريم استئجار دكاكين عمرت فوق القبور]

س: ما حكم استئجار دكان أو دكاكين عمرت فوق القبور؟

جـ: اعلم بأن الإثم سيكون على المؤجر للدكان المعمور فوق القبور أو فوق القبر وعلى المستأجر الذي يستأجر دكاناً يعرف أنه قد عمر فوق القبر أو فوق القبور ويجب الخروج منه لحديث (عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ، وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا) (٣) ولحديث (لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ


(١) - صحيح البخاري: كتاب الحرث والمزارعة: باب ما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضاً في المزارعة والثمرة. حديث رقم (٢٣٤٢) بلقظ (عن ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَلَكِنْ قَالَ: أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مَعْلُومًا).
أخرجه مسلم في البيوع، والترمذي في الأحكام، والنسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في مسند ومن مسند بني هاشم.
أطراف الحديث: المزارعة، الهبة وفضلها والتحريض عليها.
(٢) - الأعلى: (١٧، ١٦)
(٣) - صحيح مسلم: كتاب الجنائز: باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه. حديث رقم (٩٧٢) بلفظ (عن أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها).
أخرجه الترمذي في الحنائز عن رسول الله، والنسائي في القبلة، وأبو داود في الجنائز، وأحمد في مسند الشاميين.
أطراف الحديث: الجنائز.

<<  <  ج: ص:  >  >>