للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الإجارة كما في حديث (كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَقْلًا، وَكَانَ أَحَدُنَا يُكْرِي أَرْضَهُ فَيَقُولُ: هَذِهِ الْقِطْعَةُ لِي، وَهَذِهِ لَكَ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ ذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ ذِهِ، فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وبهذه الطريقة في تأجير الأرض سيحصل الغبن على أحد المتعاملين، إما على المستأجِر وإما على صاحب الأرض ويُظلم أحد المتعاملين قطعاً ولرفع الظلم عن أحدهما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تأجير الأرض بهذه الطريقة، وعلى هذا المعنى تحمل كل الروايات الواردة بالنهي عن كراء الأرض في أحاديث رافع بن خديج، والطريقة الجائزة في تأجير الأرض هي الطريقة التي عامل بها النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر حينما أجرَّ منهم أرض خيبر يزرعونها على أن يكون نصف الغلة الحاصلة من مجموع غلة الأرض كلها لصاحب الأرض ونصفها الأخر لمستأجر الأرض من اليهود، وهذا المعنى واضح في الروايات الواردة في تأجير النبي صلى الله عليه وسلم أرض خيبر من اليهود ليزرعوها بشطر ما يخرج من غلتها ومنها حديث (أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَعْطَى خَيْبَرَ الْيَهُودَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا خَرَجَ مِنْهَا) وفي رواية (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَامَلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ) وبهذا الجمع بين الروايات يتضح أن لا تعارض بين الروايات الناهية عن تأجير الأرض بقسمتها إلى قسمين، وبين الروايات المثبتة جواز تأجير الأرض بشطر ما يخرج من غلتها أو أقل أو أكثر العبرة بالتراضي بين المؤجر والمستأجر لأن التراضي هو أساس الجواز في كل المعاملات الشرعية لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (١) ولحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه) (٢)، وأما حديث (مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ) (٣) فليس فيه أيُّ دلالة على منع إجارة الأرض بشطر ما يخرج


(١) - النساء: (٢٩).
(٢) - مسند أحمد: كتاب مسند البصريين: حديث عم أبي حرة الرقاشي. حديث رقم (١٩٧٧٤) بلفظ (عن أبي حرة الرقاشي عن عمه، قال: كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أوسط أيام التشريق أذود عنه الناس فقال: يا أيها الناس أتدرون في أي شهر أنتم وفي أي يوم أنتم وفي أي بلد أنتم؟ قالوا: في يوم حرام وشهر حرام وبلد حرام، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه، ثم قال: اسمعوا مني تعيشوا، ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا، إنه لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه، ألا وإن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة، وإن أول دم يوضع دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل، ألا وإن كل ربا كان في الجاهلية موضوع وإن الله -عز وجل- قضى أن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب، لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، ثم قرأ إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم، ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون ولكنه في التحريش بينكم، فاتقوا الله -عز وجل- في النساء فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا وإن لهن عليكم ولكم عليهن حقا أن لا يوطئن فرشكم أحدا غيركم ولا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه فإن خفتم نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، قال حميد قلت للحسن ما المبرح قال المؤثر ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله -عز وجل-، ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وبسط يديه فقال: ألا هل بلغت، ألا هل بلغت، ألا هل بلغت، ثم قال: ليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ أسعد من سامع) حسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (٧٦٦٢).
أخرجه أبو داود في النكاح، والدارمي في البيوع.
معاني الألفاظ: الزمام: الحبل الذي تقاد به الدابة. التشريق: الأيام الثلاثة التي تلي يوم عيد الأضحى. … الذود: الطرد والمنع.
مأثرة: من المآثر وهي مكارم الجاهليين ومفاخرهم. … الدين القيم: الذي لا عوج فيه. … التحريش: الإغراء وتحريض البعض على الآخر.
العاني: الأسير وكل من ذل واستكان وخضع. النشوز: العصيان ومخاصمة الأزواج. … مبرح: شديد وشاق.
(٣) - صحيح البخاري: كتاب الحرث والمزارعة: باب ما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضاً في المزارعة والثمرة. حديث رقم (٢٣٤١) بلفظ (عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانُوا يَزْرَعُونَهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ).
أخرجه مسلم في البيوع، والنسائي في الأيمان والنذور، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، والدارمي في البيوع.
أطراف الحديث: فضل الهبة والتحريض عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>