للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحريم الاستعانة بالكافرين إذا كان المسلمون ضعافاً لا يستطيعون إخراج الكافرين

س: هل النبي صلى الله علية و سلم استعان بالمشرك في يوم الهجرة أم استأجره استئجاراً؟ فإذا كان استأجره استئجاراً فمن أين وجه الدلالة بالاستعانة به حتى يستعينوا بالاشتراكيين أو الملحدين أو بالنصارى أو اليهود على المسلمين؟

جـ: الاستعانة تنقسم إلى قسمين: استعانة بالكافرين بأجرة، واستعانة بالكافرين بغير أجرة، فالنبي صلى الله علية وسلم حينما استعان بالكافر هو استعان بالمشرك بالأجرة، والكلام هو حول الاستعانة من حيث هي سواء كانت استعانة باجرة أو استعانة بغير أجرة، فتجوز الاستعانة بالكافرين بأجرة أو بغير أجرة إذا كان المسلمون قادرين على إخراجهم في أيِّ وقت ولا يحصل من الاستعانة بهم أيُّ ضرر على المسلمين، ولا تجوز الاستعانة بهم بأجرة أو بغير أجرة إذا لم يستطع المسلمون إخراجهم أو كان سيحصل من الاستعانة بهم ضرر على المسلمين، كأن كانوا هم أقوى أو أكثر من المسلمين أو فيهم خبراء أو مهندسون أو طيارون والمسلمون ليس معهم خبراء ولا مهندسون ولا طيارون بحيث لا يستطيعون إخراجهم أو الاستغناء عنهم.

س: قلتم بأنه تجوز الاستعانة بالمشركين إذا كانوا قليلين مع أن الرسول صلى الله علية و سلم، قال: (فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ) (١) ولفظ المشرك نكره في سياق النفي تفيد العموم، أي أنا لا أستعين بأيِّ مشرك ولو كان واحداً، فكيف نوفق بين قولكم وبين هذا الحديث؟

جـ: قلت لكم أننا جمعنا بين الحديثين المتعارضين، وحينما توجد أحاديث متعارضة يقدم الجمع بينها على الترجيح، لأن الجمع مهما أمكن فهو الأولى.

[تحريم الفرار من الزحف]

س: ما حكم الهروب من أرض المعركة؟

جـ: الفرار من الزحف كبيرة من كبائر الإثم، ولكن الإسلام جوَّز التحول إلى فئة أو إلى مكان آخر ليقاتل منه، إما إلى مكان مرتفع أحسن من الذي هو فيه، أو إلى أقرب مكان فيه ماء، أو إلى أيِّ منطقة أحسن من التي هو فيها لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (٢)، فلا يسمى فراراً من الزحف، والتحول إلى بقعة أحسن أو إلى جماعة من جماعات المجاهدين فيجوز للمتحول ولا يصدق عليه أنه فرَّ فراراً من الزحف، الفرار المحرم هو الذي يفرُّ من أرض المعركة إلى بيته أو بلاده أو إلى أيِّ مكان إذا كان فراره تركاً للمعركة والجهاد، بخلاف من يفرُّ من موقع إلى موقع استراتيجي أحسن منه أو ينضم إلى جماعة من جماعات المجاهدين ليتقوى بهم.


(١) صحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير: باب كراهة الاستعانة في الغزو بكافر. حديث رقم (٤٦٧٧) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قِبَلَ بَدْرٍ، فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ، فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ رَأَوْهُ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جِئْتُ لِأَتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ، قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، قَالَ: فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ، قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ؟؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَانْطَلِقْ).
أخرجه الترمذي في السير عن رسول الله، وأبو داود في الجهاد، وابن ماجة في الجهاد، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في السيرة.
(٢) - الأنفال: آية (١٦، ١٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>