للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَقُّ بِسَقَبِهِ) (١) هو الجار المخالط لا من كان جاراً غير مخالط، والدليل على هذا أنه قد ورد حديث آخرهو حديث (قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ) وهو يدل على أنه لا شفعة لأحدٍ مهما كانت قد حددت الحدود، وصرفت الطرق، وإذا كانت المسألة التي ذكرتها في السؤال قد تعينت فيها الطرق وحددت الحدود ولم يكن بين المالك الأصلي والمالك الجديد اختلاط فلا شفعة فيها، أما إذا كانت المسألة مبنية على أن المال مختلط ولم يكن قد تعين الملك في جهة مخصوصة ولا تحدد ملك كل واحد من حدود معينة فلا مانع للمالك الأصلي من المطالبة بالشفاع فيما لا زال مختلطاً ومشاعاً، والحاصل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال: (الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ) وقال أيضاً: (فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ) ولهذا اختلف العلماء في حكم الشفعة بالجوار فمن العلماء من ذهب إلى أن الشفعة تكون في الجار الذي ليس بخليط كما تكون للخليط، ومنهم أهل المذهب الهادوي ومن وافقهم محتجين بالحديث الأول (الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ) وعليه كانت الأحكام في الماضي ومنها الأحكام التي اطلع عليها السائل في سؤاله هذا، ومن العلماء من ذهب إلى أن الشفعة لا تكون للجار إلا إذا كان شريكاً لجاره أي خليطاً له في الملكية، ولم يكن قد تعين كل ملك بحدود معروفة معينة، ولا كان كل واحد من الملكين منفرداً، أما الجار الذي لم يكن مخالطاً بل كان ملكه منفرداً بحدود معينة فلا شفعة له، ومن هؤلاء شيخ الإسلام الشوكاني وغيره وهو الذي اختارته وزارة العدل ومحكمة النقض العليا وعملت بموجبه المحاكم الشرعية في جميع أنحاء الجمهورية اليمنية عملا بحديث (قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ).

[عدم جواز الشفعة لمن عرض عليه البيع قبل بيع المبيع من شخص آخر]

س: إذا عرض الشريك البيع على شريكه قبل أن يبيعه من رجل آخر، فهل له حق الشفعة بعد أن قد عرض عليه الشريك الشراء فرفض أم لا؟

جـ: علماء الهادوية قالوا: له حق الشفعة لأنه لا شفعة عند العرض عليه لأنه لا يصح الشيء قبل أوانه، وعند الشوكاني: أنه لا شفعة له لأنه قد عرض عليه، لحديث (لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) (٢) وهو الذي اختارته المحكمة العليا.


(١) - صحيح البخاري: كتاب الشفعة: باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع. حديث رقم (٢٠٩٨) بلفظ (عن عمرو بن الشريد قال: وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبي إذ جاء أبو رافع مولى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا سعد ابتع مني بيتي في دارك، فقال سعد: والله ما أبتاعهما فقال المسور والله لتبتاعنهما، فقال سعد: والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة، قال أبو رافع: لقد أعطيت بها خمس مائة دينار ولولا أني سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: الجار أحق بسقبه، ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أعطى بها خمس مائة دينار فأعطاها إياه).
أخرجه النسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند الأنصار من مسند القبائل.
أطراف الحديث: الحيل.
(٢) صحيح مسلم: كتاب المساقاة: باب الشفعة. حديث رقم (٣٠١٧) بلفظ (عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شِرْكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ).
أخرجه الترمذي في الأحكام، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجه في الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في البيوع.
أطراف الحديث: المساقاة.
معاني الألفاظ: الشفعة: أولوية الشريك في حق التملك بعوض. الربعة: الدار والمسكن ومطلق الأرض. الحائط: البستان. … آذن: أعلم وأخبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>