س: هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بأن (الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم)؟ وأن على من طلق زوجته طلاقاً رجعياً في العدة لا بد من أن يخبرها بأنه قد راجع في العدة وأنه إذا لم يخبرها فتزوجت بغيره جاهلة المراجعة فزواجها غير صحيح؟
جـ: اعلم أنه قد جاء في حديث أنس مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (يدعي الناس يوم القيمة بأمهاتهم ستراً عليهم من الله عز وجل) قال عنه (ابن الجوزي) في كتابه (الموضوعات) هذا حديث لا يصح والمتهم به إسحاق (وهو ابن إبراهيم الطبري) قال (ابن عدي) هو منكر الحديث ومن حديثه هذا الحديث، وقال (ابن حبان) يأتي عن الثقات بالأشياء (الموضوعات) لا يحل كتب حديثه إلاّ على التعجب، هكذا قال (ابن الجوزي) ولكن قد تعقبه (السيوطي) في (اللئالئ المصنوعة) بأنه له طريق أخرى عند الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعاً (أن الله يدعو الناس يوم القيامة بأمهاتهم ستراً منه) عن عبادة هكذا قال (السيوطي)، ولكن قد تعقب (ابن عراق) في (تنزيه الشريعة) كلام (السيوطي) بأنه من طريق (أبي حذيفة بن بشر) وهو كذاب وضاع فلا يصلح شاهداً، وقد ثبت ما يخالفه ففي (سنن أبي داود) بإسناد جيد كما قاله (النووي) في كتاب (الأذكار) من حديث أبي الدرداء مرفوعاً (إنكم تدعون يوم القيمة بأسمائكم وأسماء آبائكم فحسنوا أسماءكم) وفي الصحيح من حديث ابن عمر مرفوعاً (إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيمة يرفع لكل غادر لواء فيقال هذه غدرة فلان بن فلان) ومن ألفاظه (لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُنْصَبُ بِغَدْرَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(١) فهذان الحديثان الصحيحان دالان على أن الناس يدعون بآبائهم لا بأمهاتهم كما في الحديثين الضعيفين أو الموضوعين.
س: أفتونا عن حديث (إذا حضر العِشاء والعَشَاء فابدءوا بالعَشاء) من رواه ومن أخرجه أو حسنه أو صححه أو ضعفه؟
جـ: هذا الحديث لا أصل له بهذا اللفظ عند علماء السنة المحمدية كما قال الحافظ العراقي في شرحه على (سنن الترمذي) حيث قال في شرحه هذا لا أصل له في كتب الحديث بهذا اللفظ، كما أنه قال في تخريجه لأحاديث (إحياء علوم الدين) لـ (لغزالي) أن المعروف في كتب الحديث (إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة) ولقد تابع العراقي من جاء بعده من الحفاظ الذين ألفوا في الأحاديث الدارجة على الألسن أو في الأحاديث الموضوعة من المتأخرين عن العراقي وممن عاش في القرن التاسع الهجري وما بعده من القرون إلى عصرنا هذا، وذلك مثل تلميذه الحافظ (ابن حجر العسقلاني) مؤلف فتح الباري وتلميذ ابن حجر الحافظ (السخاوي) مؤلف (المقاصد الحسنة) وتلميذ (السخاوي) الحافظ (الديبع) وغيرهم من الحفاظ كـ (السيوطي) مؤلف (الدرر المنتثرة) و ((العجلوني)) مؤلف (كشف الخفاء) و (ابن طاهر الفتني الهندي) مؤلف (تذكرة الموضوعات) و (الملا علي القاري) مؤلف (الأسرار المرفوعة) و (المصنوع في معرفة الحديث الموضوع) والحوت البيروتي في (أسنى المطالب) و (الشوكاني) في (الفوائد المجموعة) وغيرهم ممن نقل عن العراقي عدم وجود هذا الحديث بهذا اللفظ في كتب الحديث وأقر العراقي على نفي وجود هذا الحديث بهذا اللفظ المسجوع في كتب السنة المطهرة على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام،
هذا وممن أقر نفي وجود هذا الحديث بهذا اللفظ في كتب الحديث من علماء العصر الشيخ (محمد الصباغ) الذي حقق وعلق على كتاب (الأسرار المرفوعة) لـ (الملا على القاري) حيث قال معلقاً على كلام القاري الذي أقر العراقي على نفي وجود هذا الحديث بهذا اللفظ ما نصه (ويبدوا أن تحريفاً اعترى هذا الحديث من قبل من يولعون بالمحسنات اللفظية، وسواء كان هذا الحديث قد ورد في كتب السنة بهذا اللفظ أو لم يرد ففي كتب
(١) صحيح البخاري: كتاب الجزية والموادعة: باب إثم الغادر للبر والفاجر. حديث رقم (٣١٨٨) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ (لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُنْصَبُ بِغَدْرَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).