للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} والجدير بالذكر أن الطلاق الرجعي يصح فيه المراجعة وإذا مات الزوج في حال عدة الزوجة فإنها ترث منه لأن له حق المراجعة بخلاف الزوجة المطلقة طلاقاً بائناً فإنها لا ترث من زوجها ولا يحق له أن يراجعها مرة أخرى أي سواء كان الطلاق البائن من البينونة الصغرى أو البينونة الكبرى فالكل لا يحق للزوج أن يراجع زوجته إلا أنه في الطلاق البائن بينونة صغرى يجوز له أن يتزوج مطلقته بعقد جديد ومهر جديد إن كانت راضية بذلك، أما إذا لم تكن راضية فلها الحق أن ترفض وتتزوج بمن ترضاه أو تصبح أرملة بلا زوج لأن مطلقها أصبح خاطباً من الخطاب، أما المطلقة طلاقاً بائناً بينونة كبرى فلا يجوز له أن يتزوجها مرة أخرى حتى تنكح زوجاً آخر زواجاً شرعياً لقوله تعالى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (١) وبشرط أن تتصل الزوجة بالزوج الآخر اتصالاً جنسياً كما دل حديث زوجة رفاعة رضي الله عنها قال لها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد طلقت من زوجها أتحبين أن تعودي إلى رفاعة، قالت: نعم، فقال لها الرسول -صلى الله عليه وسلم- (لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ).

وجوب احتساب عدة المطلقة طلاقاً رجعياً من يوم إنشاء الطلاق

س: رجل طلق زوجته وهو بعيد عنها وأرسل ورقة الطلاق إليها مع رسول سلمها إليه ولكن لم تصل هذه الورقة إلا بعد مضي عدة شهور من إنشاء الطلاق فهل يعتبر الطلاق من تاريخ إنشائه أم من تاريخ وصول الورقة إلى الزوجة وعلمها بالطلاق الصادر من زوجها وهل تحسب الأيام التي ما بين إنشاء الطلاق وبين علم الزوجة به من أيام العدة أم تلغي هذه الأيام وتحسب الأيام من يوم علمها فقط؟

جـ: اعلم بأن الطلاق يقع من يوم إنشائه وينفذ من وقت صدوره من الزوج، وأما الأيام التي ما بين إنشاء الطلاق وبين علم الزوجة هل تحسب من أيام العدة أم تلغى فالجواب مبني على مسألة فقهيه مشهورة وهي هل تكون العدة من حال وقوع الطلاق أم من حال العلم بالطلاق والذي ذهب إليه الجمهور من العلماء كالحنفية والشافعية ومالك والقاسم والمؤيد بالله يحيى بن حمزة هو القول بأنها تكون من حال وقوع الطلاق مطلقاً سواء كانت الزوجة عاقلة بالغة أم صغيرة أم مجنونة، وقد رجح هذا القول من المتأخرين الإمام شرف الدين والجلال والشوكاني، والذي ذهب إليه الأمير الصنعاني في (منحة الغفار) هو أن ابتداء العدة يكون من حال العلم مطلقاً سواء كانت الزوجة عاقلة حائلة أم صغيرة أم مجنونة والذي ذهب إليه علماء الهادوية هو التفصيل بين الزوجات فمن كانت عاقلة حائلة فابتداء العدة عندهم يكون من حال العلم بالطلاق، ومن كانت صغيرة أو مجنونه أو حائلة فابتداء العدة يكون من حال وقوع الطلاق ولو قبل العلم، والظاهر هو القول الأول وهو أن العدة تكون من حال وقوع الطلاق بلا فرق، ومن ادعى التفريق بين الزوجات أو ادعى بأن العدة لا تكون إلا بعد العلم فعليه الدليل، وقد قال الشوكاني: بأن هذه التفرقه لا يدري قصدها ولا مقتضاها وما استدلو به من أن الله سبحانه ذكر التربص في عدة ذوات الاقراء فقال {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (٢) وأن ذلك يدل على أنها لا بد أن تكون قاصدة الدخول في العدة فتسليم ذلك غايته أن تكون عدة الوفاة من وقت العلم لأن الله سبحانه وتعالى قال فيها {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} (٣) فلم يبق وجه لهذا الفرق بل العدة للحامل


(١) - البقرة: آية (٢٣٠)
(٢) - البقرة: آية (٢٢٨).
(٣) البقرة: آية (٢٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>