للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[جواز ذبح هدي التمتع في مكة أو في منى]

س: هل يجوز ذبح هدي التمتع في مكة أم لا بد حتماً أن يكون ذبح الهدي في منى؟

جـ: هذه المسألة من المسائل الخلافية فقيل: لا بد من أن يكون ذبح هدي التمتع في منى ولا يجوز ولا يجزئ الذبح بمكة، وقيل: لا مانع من الذبح لهذا الهدي في مكة أو في منى، وقد احتج أهل القول الأول: بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحر في منى، كما احتج أهل القول الثاني: بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال نحرت ها هنا ومنى كلها منحر وفجاج مكة كلها منحر، كما في حديث (كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ مِنًى مَنْحَر، وَكُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ) (١)، والراحج عندي هو القول الثاني لأن هذا الحديث قد أخرجه أبو داود وأحمد وابن ماجة والطحاوي والحارث والبيهقي وهو صريح في الدلالة على المقصود، وأما ما احتج به أهل القول الأول فهو فعل والفعل لا يعارض القول كما قرره علماء الأصول، وقد قال بهذا القول الأخير جماعة من العلماء كابن عباس -رضي الله عنه- وطاووس اليماني ومجاهد وعطاء وهو الذي اختاره ابن حزم في المحلى وابن القيم في زاد المعاد والشوكاني في السيل الجرار والأستاذ أحمد عبد الغفور عطاء أحد علماء مكة المكرمة في هذا العصر في كتابه المشهور (حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- والأستاذ الحافظ محمد ناصر الدين الألباني العلامة السوري المعاصر صاحب المؤلفات القيّمة وذلك في كتابه (صفة حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا القول هو قول علماء المذهب الهادوي الزيدي الذي صرح به العلامة المهدي في (متن الأزهار) حيث قال (ومكان دم العمرة مكة) وعلى هذا الأساس فليس لأحد من الحجاج أن ينقد أحداً ممن ذبح هدي تمتعه في مكة وقسم لحمها للفقراء والمساكين من أهل مكة المكرمة أو ممن يعيش في مكة لأن المسألة خلافية وخصوصاً وقد ذكرت دليل القائلين بجواز الذبح في مكة وأنه أرجح من دليل القائلين بعدم الجواز ولا سيما من كان مذهبه هادوياً حيث قد نقلت ما قاله مؤلف الأزهار من أن (مكان دم العمرة مكة)، هذه خلاصة: لما قاله العلماء الذين ذهبوا إلى جواز ذبح دم التمتع في مكة أو إلى أن دم التمتع محله مكة، ومن أراد التوسع في البحث فيراجع الصفحة السادسة والخمسين من الجزء السابع من المحلى لابن حزم رحمه الله فقد ساق فيه كلاماً طويلاً حول هذا الموضوع أو يراجع زاد المعاد لابن القيم فسيجد مؤلفه قد نص على ذلك وقال في شرح حديث (وفجاج مكة كلها منحر) هذا دليل على أن النحر لا يختص بمنى بل حيث ما كان من فجاج مكة فإنه يكون مجزئاً (٢) كما أنه سيجده قد صرح بمثل ذلك في الفصل الذي خصه للكلام على الهدي والأضاحي والعقيقة (٣) أو يراجع كتاب (السيل الجرار) (٤) فسيجد الشوكاني قد صرح بأن مكان جميع الدماء منى وفجاج مكة محتجاً بهذا الحديث كما أنه نفى وجود أي دليل يدل على التفرقة بين أمكنة الدماء، أو يراجع كتاب (حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- للأستاذ أحمد عبد الغفور عطا فسيجده قد صرح بأنَّ حرص الحجاج على الذبح بمنى يلحق الصالح من الهدي بغيره فيقذف بالجميع في الهاوية الفاغرة فاها لالتهام كلما يطرح فيها، ولو أراد الحجاج أن ينفعوا بهديهم عشرات الألوف من المحتاجين والفقراء لذبحوا في مكة وهي أرحب من منى ومنى ومكة سواء في


(١) - سنن أبي داود: كتاب المناسك: باب الصلاة بجمع. حديث رقم (١٦٥٣) بلفظ (حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ مِنًى مَنْحَر، وَكُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ)
أخرجه ابن ماجه في المناسك، والدارمي في المناسك.
معاني الألفاظ: الفجـ: الطريق الواسع.
(٢) زاد المعاد ج ١ ص ٢٣٣ الطبعة المصرية.
(٣) المصدر نفسه. ص ٢٤٥.
(٤) السيل الجرار ج ٢ ص ٢٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>