للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[جواز الصلاة على من كان لا يصلي في حياته ويشرب الخمر]

س: ما حكم الصلاة على الميت المسلم إذا كان في حياته لا يؤدي الصلاة ويشرب الخمر؟

جـ: لقد اختلف العلماء في حكم تارك الصلاة وعلى شارب الخمر وعلى غيرهم من الفاسقين على قولين:

القول الأول: عدم الصلاة على الفاسق وهو قول أهل المذهب الهادوي الزيدي وهو المنصوص عليه في الأزهار.

القول الثاني: أنه لا مانع من الصلاة على الفاسق. وقد احتج المانعون للصلاة على الفاسق بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصل على قاتل نفسه في حديث (أَمَّا أَنَا فَلَا أُصَلِّي عَلَيْهِ) (١) وأجيب عنهم بأن هذا الدليل أخص من الدعوى لأن قاتل نفسه أخص من الفاسق ولأن ذنبه أعظم واحتجوا بقوله تعالى {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} (٢) وأجيب عنهم بأن الفاسقين في هذه الآية هم المنافقون الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر لأن الآية نزلت في (عبدالله بن أبي) وليس المراد بالفاسقين هم العصاة المرتكبين للكبائر، والأحوط هو الصلاة على الفاسق الذي قدم على ربه.

س: حدث أن شخصاً توفي وكان في حياته لا يؤدي الصلاة المفروضة عليه كمسلم، فهل يشرع للمسلمين بأن يقوموا بأداء صلاة الجنازة عليه أو أنه لا يشرع له ذلك؟

جـ الجواب هو أن تارك الصلاة مرتكب لأعظم ذنب من الذنوب العظيمة بل قد قيل عنه بأنه كافر والكلام حول هذا الموضوع طويل جداً.

والخلاصة: أن العلماء اختلفوا في حكم تارك الصلاة عمداً تساهلاً منه لا جحوداً فقيل هو كافر، وقيل هو فاسق، فمن قال بأنه كافر احتج بحديث (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَر) وبحديث (بَيْنَ الرَّجلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ومن قال بأنه فاسق قال بأن التكفير يحتاج إلى دليل قطعي السند والدلالة، كما أنه قد ألزم القائلين بالتكفير أنهم يكفرون كل من حكم عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه قد كفر مثل من أتى كاهناً أو عرفاً فصدقه فقد كفر. وقالواالمراد ب (الكفر) هو كفر النعمة، وعلى القول ب (تكفير) تارك الصلاة فمن مات وهو لا يصلي فلا يكفن ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين بل يخرج إلى الصحراء ويحفر له حفرة ويدفن بثيابه لأنه لا حرمة له ولا كرامة، وعلى القول بأنه (فاسق) عاص لله وليس بكافر فحكمه حكم سائر الفساق كشارب الخمر الملعون صاحبها والزاني واللوطي وغيرهم من مرتكبي الكبائر، ولقد اختلف العلماء في حكم الصلاة على الفاسق هل هي من الجائز شرعاً أم من المحرمات، فذهب جماعة من العلماء إلى أن الصلاة على الفاسق غير جائزة وأن من مات فاسقاً لا يصلي عليه ولكنه يدفن في مقبرة المسلمين وهذا الرأي هو المنصوص عليه عند علماء الهادوية في جميع كتب الفقه كأصول الأحكام للإمام (أحمد بن سليمان) و (شفاء الأوام) للأمير (الحسين بن محمد) والبحر الزخار ومتن الأزهار للإمام المهدي (أحمد بن يحيى المرتضي) وغيرها من كتب الفقه الهادوي، وذهب جماعة من العلماء إلى أن الصلاة على (الفاسق) جائزة لأنه داخل في عموم المسلمين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وهذا ما رجحه شيخ الإسلام (الشوكاني) في (السيل الجرار) وفي (وبل الغمام)، وقد احتج القائلون بأن الفاسق لا يصلي عليه بقوله


(١) سنن النسائي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث ابن سمرة -رضي الله عنه- برقم (١٩٣٨).
(٢) التوبة: آية (٨٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>