للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الحديث الذي ذكره (السيوطي) الشطر الثاني منه ليس بصحيح ولا بحسن وإنما هو ضعيف كما يدل عليه رمز (السيوطي) له بحرف (الضاد) وأقره المناوي في (فيض القدير بشرح الجامع الصغير) كما صرح بكونه ضعيفاً (الألباني) في (ضعيف الجامع الصغير) وفي (المجلد الأول من الأحاديث الضعيفة الموضوعة وأثرها السيئ في الأمة) ولم يصححه أحد من المحدثين أو يحسنه والسبب الذي من أجله حكموا عليه بالضعف هو أن في سنده مجهول وضعيف، أما المجهول فهو (مولى عمر بن عبد العزيز) وأما الضعيف فهو (عبد الله بن صالح) وكنيته (أبو صالح) والجواب على الفقرة الثالثة بأن حديث (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً) وحديث (اعمل عمل امرئ يظن أن لن يموت أبداً) مختلفان في اللفظ ومختلفان في المعنى أيضا، وبعبارة أصح بأن حديث (اعمل لدنياك) وحديث (إن هذا الدين متين) الذي لم يذكر (السيوطي) إلا الشطر الثاني وهو (اعمل عمل امرئ) مختلفان في اللفظ ومختلفان أيضا في المعنى، أما كونهما مختلفين في اللفظ فظاهر، وأما كونهما مختلفين في المعنى فلأن حديث (اعمل لدنياك) صريح في أن المراد بالعمل العمل الدنيوي، وحديث (اعمل عمل امرئ يظن أن لن يموت أبداً) المراد بالعمل العمل للآخرة بدليل سياق هذا الحديث من أوله إلى آخره حيث ونصه (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض إلى نفسك عباده ربك فإن المنبت لا سفراً قطع ولا ظهراً أبقى فاعمل عمل امرئ يظن أن لن يموت أبداً، واحذر حذرا مرئ يخشى أن يموت غدا) ومن تأمل هذا النص لا بد وأن يعرف أن هذا السياق ليس نصاً في أن العمل المذكور فيه هو العمل للدنيا بل الظاهر منه انه يعنى العمل للآخرة، والغرض من الحث على العمل. (فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا) (١) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعاً وقد روي الحديث بنحوه من طريق أخرى بلفظ (أصلحوا دنياكم واعملوا لآخرتكم كأنكم تموتون غداً) رواه أبو هريرة وأخرجها القضاعي وهو حديث ضعيف جداً وجاء أيضا بلفظ (ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه حتى يصيب منهما جميعاً فإن الدنيا بلاء الآخرة) أخرجه الخطيب في تلخيص المتشابه في الركب وهو باطل كما قال (الألباني) وأخرجه ابن عساكر في تاريخه وزاد في آخره (ولا تكونوا كلاً على الناس) وجاء في حديث أنس مرفوعاً (خيركم من لم يترك آخرته لدنياه ولا دنياه لآخرته ولم يكن كلاً على الناس) وفي سنده يغنم بن سالم وهو وضاع، ومن أراد أن يعرف صحة ما قلته فليراجع فهرست المجلد الأول والثاني من كتاب (الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة) ويراجع الكلام في كل حديث من الأحاديث التي ذكرتها في جوابي هذا في مظانها فقد توسعت فيها توسعاً لا يكاد يجده طالب العلم في أيِّ كتاب من كتب السنة النبوية المطهرة هذا والله ولي الهداية والتوفيق.

س: هل حديث (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) صحيح أم هو من الأحاديث المشهورة على ألسنة الناس ولا أصل له في كتب السنة؟

جـ: هذا الحديث لم أقف عليه مرفوعاً بهذا النص في أيِّ مصدر من كتب السنة النبوية المطهرة على صاحبها


(١) - صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب الدين يسر. حديث رقم (٣٨) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ).
أخرجه مسلم في صفة القيامة والجنة والنار، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وابن ماجة في الزهد، وأحمد في باقي مسند المكثرين. أطراف الحديث: المرضى، الرقاق.
معاني الألفاظ: … يشاد: كلف نفسه من العبادة فوق طاقتها. غلبه: اشتد وشق عليه
السداد: التوسط في العمل من غير إفراط ولا تفريط، اقتربوا من السداد والصواب في أداء الطاعات.
الغدوة: الخروج أول النهار. … الروحة: الخروج آخر النهار.
الدلجة: السير أول الليل، وقيل سير الليل كله.

<<  <  ج: ص:  >  >>