للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عدم صحة تصرف من فقد عقله أو اختل شعوره لكبر سنه بهبة أو هدية أو غيرها]

س: هل يجوز للأب أن يعطي لأحد أبنائه قطعه أرض في تكاليف زواجه ولم يعط لأبنائه مثله وقد تجاوز عمره مائة عام ولا يكاد يميز في ما يضره وما ينفعه مع العلم بأن الولد يضايق أباه ويعتدي عليه؟

جـ: العبرة بالبرهان فإن صح بأن هذا الرجل قد أصبح في أرذل العمر وأصبح لا يعقل ما يفعله أو ما يقوله فإن تصرفه لا يصح لأن من شروط صحة تصرفه أن يكون عاقلاً، أما من فقد عقله واختل شعوره في تصرفه في ماله فإن تصرفه غير صحيح وغير نافذ، وإن صح أنه ما زال عاقلاً ولكن تصرف بالبيع إلى ولده تحت الضغط والإكراه والإجبار والضرب فإنه غير صحيح وغير نافذ شرعاً لأن من شروط صحة التصرف بالبيع أن يكون البائع مختاراً فإن باع وهو مكره فإنه غير صحيح وغير نافذ، وإن صح أن الرجل المذكور تصرف بالبيع إلى ولده المذكور وهو صحيح العقل ولم يكن مكرهاً فإن بيعه صحيح، فإذا كانت البصيرة المذكورة تحكى البيع والشراء للأرض المذكورة بحيث يكون الثمن مناسباً للزمان والمكان وبحسب ما يقدره عدلان فالبيع صحيح، وإنما شرط العلماء ذلك خشية أن يكون هذا البيع به حيله على بقية الأولاد لا سيما البنات إن كان هناك بناتا، وإذا كانت البصيرة تحكي الهبة أو التمليك مقابل الخدمة أو منافع أو كسب أو عمل فإنها صحيحة بقدر أجرة الخدمة أو العمل لا فيما يزيد على ذلك، وإن كانت البصيرة تحكي الهبة أو التمليك إلى مقابل الخدمة ولا عمل ولكن مجاناً فإن هذا لا يجوز لأن في هذه الهبة تفضيل بعض الأولاد على البعض الآخر، وهذا لا يجوز لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) وأبى أن يشهد على ما فيه تفضيل بعض الأولاد وقال (لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ) (١) وفي رواية (يَا بَشِيرُ، أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ) (٢) أي على ظلم، وعلى هذا كله يجب عرض القضية على القاضي الشرعي في المنطقة ليعرف الحقيقة، ويستمع إلى مقال الطرفين ويجري اللازم الشرعي على ضوء البراهين، أما الفتوى فغير نافع لأني لا أدري كيفية الوصية من طرف البائع، هل هو بكامل عقله أم هو مختل؟ لأنه لو فرض أنه لا زال معقولاً، فأنا لا أعلم تصرفه هل كان مختاراً أم مكرهاً تحت تهديد؟، وإن كان مختاراً لا أدري هل كان هناك مسوغاً للتمليك أم لا؟ لأجل ذلك كله لا تحسم المسألة إلا بالحضور عند القاضي الشرعي لأن الحاضر يعرف مالا يعرفه الغائب وليس الخبر كالمعاينة ولا السماع كالمشاهدة ولا السماع من طرف كالسماع من طرفين.


(١) - صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب لايشهد على شهادة جور. حديث رقم (٢٤٥٦) بلفظ (عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَأَلَتْ أُمِّي أَبِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِي مِنْ مَالِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِي، فَقَالَتْ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَنَا غُلَامٌ فَأَتَى بِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقَالَ: إِنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْنِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِهَذَا، قَالَ: أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأُرَاهُ قَالَ: لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ، وَقَالَ أَبُو حَرِيزٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ)
أخرجه مسلم في الهبات، والترمذي في الأحكام، والنسائي في النحل، وأبوداود في البيوع، وابن ماجه في الأحكام، وأحمد في أول مسند الكوفيين، ومالك في الأقضية.
(٢) - صحيح مسلم: كتاب الهبات: باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة. حديث رقم (٣٠٥٦) بلفظ (حَدَّثَنِي النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ أَنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ مِنْ مَالِهِ لِابْنِهَا فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً، ثُمَّ بَدَا لَهُ، فَقَالَتْ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا وَهَبْتَ لِابْنِي، فَأَخَذَ أَبِي بِيَدِي وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ هَذَا بِنْتَ رَوَاحَةَ أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الَّذِي وَهَبْتُ لِابْنِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا بَشِيرُ، أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ)
أخرجه البخاري في الهبات وفضلها، والترمذي في الأحكام، والنسائي في النحل، وأبوداود في البيوع، وابن ماجه في الأحكام، وأحمد في أول مسند الكوفيين، ومالك في الأقضية.
معاني الألفاظ: الجور: الظلم والميل عن الحق.

<<  <  ج: ص:  >  >>