للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الشوكاني فهو وإن وافق أهل المذهب الهادوي في الحكم على هذا الطواف بأنه آخر المناسك لما ورد من الأمر به من النبي -صلى الله عليه وسلم- الحجاج بأن يكون آخر عهدهم بالبيت الحرام هو الطواف به قبل أن يغادروا مكة المكرمة والكعبة المشرفة قاصدين بلدانهم في حديث (أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْحَائِضِ) (١) والأمر يقتضي الوجوب ولا سيما أنه قد جاء من فعله -صلى الله عليه وسلم- حيث طاف طواف الوداع في حجة الوداع كما في حديث (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ) (٢) وهذا مبني على الخلاف في طواف الوداع هل هو واجب أو هو مسنون أو هو منسك من مناسك الحج المفروضة التي أولها الإحرام وآخرها طواف الوداع والذي ذهب إليه الإمام المهدي صاحب (الأزهار) و (البحر الزخار) والشوكاني مؤلف (السيل الجرار) هو القول بأن طواف الوداع فرض لازم ومنسك من مناسك الحج بل هو آخر المناسك التي من تركها فقد ترك منسكاً من مناسك الحج المفروضة وهو الذي يراه أبو حنيفة والهادي ومن وافقهما كالشافعي في أحد قوليه، والذي ذهب إليه مالك والشافعي في أحد قوليه إلى أنه سنة وليس بواجب ولا فرض والذي ذهب إليه المقبلي مؤلف (المنار) هو القول بأنه واجب مستقل وليس هو من المناسك التي لا يتم الحج ويكمل إلا بها، فمن ذهب إلى أنه سنة يقول لا دم عليه في ترك هذا الطواف ما دام وهذا الطواف ليس بواجب ولا هو من المناسك التي لا يتم الحج إلا به، ومن يقول بوجوبه اختلفوا في وجوب الدم على من تركه فقيل يجب كما هو مذهب الهادوية ومن وافقهم كما في كتاب الأزهار، وقيل لا يجب الدم كما هو مذهب الشوكاني في كتاب (السيل الجرار).

[وقت طواف الوداع وقت السفر من مكة ولو بعد خروج ذي الحجة]

س: إذا أراد الحاج المكث مدة بعد الحج فمتى يشرع له طواف الوداع؟

جـ: عند أن يريد السفر من مكة ولو في شهر المحرم أو غيره، إلاّ إذا أراد الخروج إلى المدينة أو جدة أو الطائف أو غيرها، فيجب عليه أن يطوف للوداع قبل الخروج من مكة حتى ولو كان سيعود إليها.

س: أتيت أناساً من الحجاج يعودون إلى الوراء بعد أن يطوفوا طواف الوداع، فهل عملهم هذا سنة أم أنه بدعة محدثة؟

جـ: خروج بعض الحجاج من المطاف بعد طوافهم طواف الوداع ماشين إلى خارج الحرم إلى الوراء ليس من مناسك الحج ولا من مسنوناته ولكنه بدعة من البدع وذلك لأنه لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أيُّ شيء من هذا العمل، وكذلك لم يرو عنه أنه رغب في هذا الفعل ولم يرو عن أحد من الأئمة بل هذا من أفعال بعض العجم الذين ليس لهم معرفة بواجبات الحج وسننه وهو من البدع التي لا أصل لها في الدين.


(١) - صحيح البخاري: كتاب الحجـ: باب طواف الوداع. حديث رقم (١٧٥٥) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْحَائِضِ).
أخرجه مسلم في الحج، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في المناسك.
أطراف الحديث: الحيض.
(٢) - صحيح البخاري: كتاب الحجـ: باب طواف الوداع. حديث رقم (١٦٦٩) (عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ).
أخرجه الدارمي في المناسك.
أطراف الحديث: الحج.

<<  <  ج: ص:  >  >>