للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعثمان بن عفان خطب في الدرجة الثالثة التي كان يخطب فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- اجتهاداً منه لكي لا يكون النزول سنة، وذات مرة انتقد الخليفة (المتوكل العباسي) (عثمان بن عفان) -رضي الله عنه- بعدم التأدب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث لم يخطب في قاع المسجد النبوي فرد عليه أحد جلسائه الذين كانوا عنده بأن لـ (عثمان) على الخليفة العباسي فضل قال: وكيف ذلك؟! فقال: لو نزل عثمان لصار النزول سنة ولكان على كل خليفة أن ينزل عند خطبته درجة عمن سبقه، ولكان الخليفة العباسي هذا يخطب في بئر عمقه ثلاثة وعشرين درجة بعدد الخلفاء الذين قد سبقوه، ولكن الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أنهى هذه الطريقة بفعله هذا فسكت الخليفة العباسي، واما اعتماد الخطيب على سيف أو خشب أو نحوه فقد وردت أحاديث بهذا، منهاحديث (شَهِدْنَا فيها الْجمُعَةَ مع رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فَقَامَ مُتَوَكّئاً عَلى عَصاً أوْ قَوْس فَحَمِدَ الله وَأثْنَى عَلَيْهِ كَلِمَاتٍ خَفِيفَاتٍ طَيّبَاتٍ مُبَارَكَاتٍ) (١) والتسليم قبل أذان الخطبة من الخطيب ويرد عليه المستمعون مشروع على جهة السنة، وللعلامة ابن القيم في زاد المعاد مناقشة لهذه الأمثلة.

[السنة أن يؤم المصلين في يوم الجمعة خطيب الجمعة]

س: سمعنا حديثاً مرفوعاً إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مفاده من أذن فهو يقيم، فهل ورد حديث بأن من خطب في الجمعة أو في يوم العيد فإنه يشرع له بأنه يؤم المصلين في صلات العيد أو الجمعة أو أنه لم يرد أيُّ شيء في ذلك؟

جـ: كتب السنة النبوية تحكى بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب بالناس يوم الجمعة ويوم العيد كما تحكى أيضاً أنه كان يصلي بهم بعد أن يخطب يوم الجمعة وقبل أن يخطب فيهم يوم العيد، وهكذا كانت العادة أيام السلف الصالح كان الخليفة هو الذي يصلي بالناس وهو الذي يخطب بهم، ثم جاء من بعدهم من أئمة المساجد الكبار كان الرجل الذي يخطب هو الذي يصلي بهم ولا يكون إمام الصلاة غير الخطيب إلا نادراً ولسبب مسوغ، وبناءً على ذلك فالسنة هي أن يصلي بالناس من خطبهم ولا ينبغي لأحد أن يتقدم ويؤم الناس إلا بإذن من الخطيب لأن الإمامة تابعة للخطبة، أما أنه ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديث قولي مصرح بأن من خطب فليصل أو أن النبي قال يؤم الناس في يوم الجمعة أو في يوم العيد خطيبهم فلم يرد ذلك، ولكن السنة ليست منحصرة في أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- فقط بل في أقوال النبي وأفعاله وتقريراته، وقد عرفنا من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه الذي كان يخطب ويصلي كمافي حديث (أَنَّ رَجلًا دَخَلَ الْمَسجدَ يَوْمَ جمُعَةٍ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ وَرَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاستَقْبَلَ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَائِمًا ثُمَّ قَالَ: يَا رَسولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعْتِ السبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا، فَرَفَعَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، قَالَ أَنَس: وَلَا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السمَاءِ مِنْ سحَابٍ وَلَا قَزَعَةً وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ، قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْس، فَلَمَّا تَوَسطَتْ السمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ فَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْس ستًّا، ثُمَّ دَخَلَ رَجلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجمُعَةِ وَرَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَائِمٌ يَخْطُبُ


(١) سنن أبي داود: كتاب الصلاة: باب الرجل يخطب على قوس. حديث رقم (١٠٩٦) بلفظ (عن شُعَيْبُ بنُ رُزَيْقٍ الطّائِفِيّ قال: جلَستُ إلَى رَجلٍ لَهُ صُحْبَةٌ مِنْ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- يُقَالُ: لَهُ الْحَكَمُ بنُ حَزَنٍ الْكُلَفِيّ، فأنْشَأ يُحَدّثُنَا قال: وَفَدْتُ إلَى رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- سابِعَ سبْعةٍ أوْ تَاسعَ تِسعَةٍ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا يارسولَ الله زُرْنَاكَ فَادْعُ الله لَنَا بِخَيْرٍ، فأمَرَ بِنَا، أوْ أمَرَ لَنَا بِشَيْءٍ مِنَ التّمْرِ، وَالشّأْنُ إذْ ذَاكَ دُونٌ، فأقَمْنَا بِهَا أيّاماً شَهِدْنَا فيها الْجمُعَةَ مع رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فَقَامَ مُتَوَكّئاً عَلى عَصاً أوْ قَوْس فَحَمِدَ الله وَأثْنَى عَلَيْهِ كَلِمَاتٍ خَفِيفَاتٍ طَيّبَاتٍ مُبَارَكَاتٍ، ثُمّ قال: أيّهَا النّاس إنّكُم لَنْ تُطِيقُوا أوْ لَنْ تَفْعَلُوا كُلّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ سدّدُوا وَأبْشِرُوا) وقد حسنة الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.
أخرجه أحمد في مسند الشاميين.
معاني الألفاظ: دون: الدون أي الضعيف سددوا: السداد، الإستقامة في العمل والصواب في القول.

<<  <  ج: ص:  >  >>