للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[س: هل حديث (الرجل الذي سافر ومنع زوجته من الخروج فمرض أبوها واستأذنت فلم يأذن لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى مات والدها ولم تزره) صحيح أم ضعيف؟]

جـ: هذا الحديث قد ذكره بعض من ألف في التصوف والأخلاق كالإمام (الغزالي) في (إحياء علوم الدين) حيث ذكره مفصلاً كما جاء في السؤال أو قريباً منه، ولكن الحافظ العراقي عند تخريجه لهذا الحديث نص على ضعفه كما في (المغني عن حمل الأسفار في الأسفار) وذكره بعض من ألف في الفقه كمؤلف (منار السبيل) الذي ذكره في كتاب النكاح مختصراً من حديث أنس رضي الله عنه بلفظ (أن رجلاً سافر ومنع زوجته من الخروج فمرض أبوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حضور جنازته فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم (اتق الله ولا تخالفي زوجك) فأوحى الله إليه أي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إني قد غفرت لها بطاعتها زوجها) وقد نسبه مؤلف (منار السبيل) إلى (ابن بطة) في (أحكام النساء) ولكن الحافظ (الألباني) قد علق على هذا الحديث في كتابه (إرواء الغليل بتخريج أحاديث منار السبيل) بقوله (ضعيف) أخرجه الطبراني في (الأوسط) من طريق عصمة بن المتوكل قال أخبرنا زافر عن سليمان عن ثابت البناني عن أنس ابن مالك به (أي بهذا الحديث) وقال (أي الطبراني) لم يروه عن زافر إلا عصمه قال الألباني وهو (أي عصمة) ضعيف، قال العقيلي في صفحة (٣٢٥) من كتاب (الضعفاء) عن (عصمة) قليل الضبط للحديث يهم وهما وقال أبو عبدالله (يعني البخاري) لا أعرفه ثم ساق له حديثاً مما اخطأ في متنه وقال (الذهبي) هذا كذب على (شعبة وشيخه زافر هو ابن سليمان القهستاني) ضعيف أيضاً قال الحافظ في (التقريب) (صدوق كثير الأوهام) وقال (الهيثمي) في (المجمع) رواه (الطبراني) في (الأوسط) وفيه (عصمة المتوكل) وهو ضعيف إذا عرفت أن هذا الحديث قد اختلف لفظه في منار السبيل، وفي (الإحياء) أن الله أوحى إلى النبي أن الله قد غفر لوالد الزوجة بطاعتها زوجها، وفي اللفظ الوارد في (منار السبيل) هو غفران الله لها بطاعة زوجها، والحديث من أصله غير صحيح لما قيل عنه من الضعف في السند على ما جاء في تخريج (الإحياء) وفي تخريج (المنار)، كما أن في قوله فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حضور جنازته نظر لأن حضور النساء لتشييع الجنائز منهي عنه ولو كان الحديث صحيحاً لأولناه بأن المراد فاستأذنته في الحضور لمشاهدته قبل خروج جنازته ولكنه غير صحيح فلا حاجه إلى التأويل لأن التأويل لا يكون إلا لما كان الحديث صحيحاً لا لما كان ضعيفاً.

وبناءً على ما سبق فلا حجة لأحد في الاستدلال على وجوب طاعة الزوجة زوجها بهذا الحديث ولا على الاحتجاج على منع المرأة من زيارة والدها إذا كان مريضاً مرضاً مخوفاً حتى ولو كان في مرض الموت إذا كان زوجها غائباً وقد أمرها بأن لا تخرج من بيته وذلك أن الاحتجاج بأيِّ حديث على أيِّ حكم لا بد فيه من أن يكون الحديث صحيحاً أو حسناً، وهذا الحديث ليس بصحيح ولا حسن بل هو في غاية الضعف لأن في سنده ضعيفين لا ضعيف واحد وهما (عصمة ابن المتوكل) و (زافر بن سليمان).

وقد وردت الأدلة الصحيحة على وجوب طاعة الزوجة زوجها وعلى عدم جواز خروج الزوجة من بيت زوجها إلا بإذنه، ونص العلماء على ذلك في كتب الفقه ولكنهم لم ينصوا على وجوب طاعة المرأة زوجها طاعة عمياء إلى حد أن لا تخرج من بيت زوجها إلى بيت أهلها لزيارة والدها المحتضر أو المريض مرضاً مخوفاً حتى يقدم زوجها من السفر وإذا لم يقدم من السفر فتبقى في بيته حتى يموت والدها ويمضي على موته يوماً أو يومين أو أكثر إلى أن يصل زوجها من رحلته وإن طالت، وعلى فرض أن أحد الفقهاء قد نص على ذلك في بعض المؤلفات فلا ينبغي أن نقلده ما دام لم يأت على زعمه بدليل صحيح، وإذا كان قد احتج بهذا الحديث فقد عرفت أنه غير صحيح وغير حسن بل هو في غاية الضعف فلا يصلح للاحتجاج به.

<<  <  ج: ص:  >  >>