للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثالث: على فرض صحة الحديث يأمر بإصلاح الدنيا فقط وإصلاح الدنيا قد ورد أن النبي كان يدعوا به فيقول (وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي) (١) أما الحديث المسئول عنه فلم يكن الأمر فيه بإصلاح الدنيا بل الأمر بالعمل للدنيا عملاً متواصلاً كعمل من سيعيش عيشاً أبدياً فهو على فرض صحته يدل على معنى غير معنى الحديث المسئول عنه، وهكذا جاء في حديث أنس مرفوعاً (ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه حتى يصيب منهما جميعاً فالدنيا بلاغ للآخرة) وهو حديث باطل كما قاله (الألباني) في آخر المجلد الأول من كتابه المذكور أيضاً كما جاء أيضا بهذا اللفظ عند (أبي بكر الأزدي) من حديث أنس أيضاً بزيادة في الحديث وهي (ولم يكن كلاً على الناس) وفي سنده (سالم بن يغنم) وهو وضاع كما قاله (الألباني) في أول المجلد الثاني من كتابه المذكور سابقاً، وليس في الحديثين أمرٌ بالعمل الدنيوي المستمر، والخلاصة لما جاء في جوابي هذا يتلخص فيما يلي:

أولاً: حديث (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً إلى آخره) لم أعثر عليه في كتب الحديث.

ثانياً: حكم بعدم وجود أصل له الحافظ (أحمد الغماري) في رسالة خاصة بهذا الحديث.

ثالثاً: حكم الحافظ (الألباني) على هذا الحديث بأنه لا أصل له بهذا اللفظ مرفوعاً.

رابعاً: قد جاء بمعنى هذا الحديث عن عبدالله بن عمر ولكنه موقوف عليه وبسند فيه ضعف وبلفظ (احرث).

خامساً: جاء في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص (فاعمل عمل امرئ يظن أن لن يموت أبداً) ولكن في سنده مجهول وضعيف كما أن سياقه يدل على أن العمل المأمور به هو العمل الأخروي لا الدنيوي.

سادساً: جاء في الحديث (ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه حتى يصيب منهما جميعاً) وهو حديث باطل كما جاء هذا الحديث بزيادة (ولم يكن كلاً على الناس) وهو حديث موضوع.

س: سمعت في بعض الإذاعات أن حديث (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل هذا الكلام صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن رواه ومن أخرجه أفيدونا؟

جـ: اعلم أن هذا الحديث بهذا اللفظ لم يرد في كتب السنة النبوية بأيِّ سند ولا في أيِّ كتاب من كتب الحديث، ولم يعرف من الصحابي الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا من أخرجه من المحدثين بعد البحث الشديد في كتب السنة النبوية، فمن أخبرك أيها السائل أن قولهم (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه صلى الله عليه وسلم قد نطق بهذا الكلام وتكلم بهذا اللفظ فاطلب منه أن يفيدك بالصحابي الذي رواه وبالمحدث الذي أخرجه أو بالكتاب الذي تضمن الكلام لهذا الموضوع.

س: هل هذا الكلام (الجزاء من جنس العمل) حديث أو أثر؟

جـ: هذا الكلام لم يعرفه علماء الحديث أبداً كما يدل عليه كلام الحافظ (السخاوي) في المقاصد الحسنة وكذلك كلام من جاء بعده من العلماء الذين ألفوا في الأحاديث المشتهرة على الألسنة وهذا من الأحاديث الضعيفة.


(١) - صحيح مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والإستغفار: باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل. حديث رقم (٤٨٩٧) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ).
انفرد به مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>