للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الباب الأول: الأحكام العملية]

[آراء العلماء في جواز الاحتفال بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم-]

س: ما قول علمائنا الأفاضل في إقامة الاحتفالات بمولد نبينا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه؟ وهل الاحتفال بهذه المناسبة سنة أم بدعة؟ وهل الغريق ومن مات بالصاعقة شهيدان؟

جـ: قد أجبت عنه مراراً وخلاصته: أنه لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه احتفل بمولد نفسه أو أمر الصحابة بأن يحتفلوا به، أو رغب في ذلك أو أقر أحداً على ذلك، وهكذا لم يحتفل الصحابة بعد موته ولا من بعدهم من التابعين، وقد قال ابن خلكان وغيره من المؤرخين أن أول من احتفل بالمولد النبوي على هذه الصفة هو الملك المظفر (كوكبوري) صاحب أربل بالعراق، في أول القرن السابع، ويقال أيضا أن الدولة الفاطمية كانت تحتفل بالمولد النبوي قبل الملك المظفر بقرون وذلك في منتصف القرن الرابع من الهجرة النبوية على صاحبها أفضلا لصلاة والسلام، أما أول من أبتدع اجتماع الناس على قراءة المولد النبوي في أيِّ وقت فهو أحد ملوك الشراكسه بمصر كما قاله الأمام محمد رشيد رضا في مجلة المنار، ويقال أنه الملك المظفر صاحب أربل كما نص عليه شيخ الإسلام الشوكاني في بعض فتاواه بالمولد النبوي، وقد ذهب الحافظ ابن حجر العسقلاني إلى استحباب المولد النبوي مستنبطاً مما ورد في البخاري ومسلم (لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ، فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَظْفَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ، ثُمَّ أَمَرَ بِصَوْمِهِ) (١) فقد استنبط منه مشروعية تعظيم اليوم الذي فيه ولد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وبيان ذلك أن النبي قد عظم اليوم الذي أغرق الله فيه فرعون وأنجى فيه موسى عليه السلام، فبالأولى والأحرى تعظيم اليوم الذي أغرق الله فيه الكفر و الضلال بمولد النبي الأعظم -صلى الله عليه وسلم- وأنجى الأمة الإسلامية من ضلال الإلحاد والشرك الموجب لدخول النار، هذا إيضاح ما قاله الحافظ بن حجر كما نقله عنه دحلان في السيرة النبوية والحلبي في إنسان العيون، فمسألة الاحتفال بالمولد النبوي في يوم المولد من جملة المسائل الخلافية التي اختلفت أنظار العلماء فيها باختلاف نظرياتهم، فالذين استحسنوه نظروا إلى هذا الاستنباط الذي ذكرته آنفاً المنقول عن الحافظ بن حجر رحمه الله وذهبوا إلى أنه من تعظيم شعائر الله وإحياء لذكرى الرسول الأعظم -صلى الله عليه وسلم-، والذين ذهبوا إلى أنه بدعة نظروا إلى أنه لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا من قوله ولا من فعله ولا من تقريره، كما لم يرو عن خير القرون أنهم عملوا ذلك.

والجواب عن السؤال الثاني أنه قد ورد في الغريق أنه شهيد، ولم يرد في من مات بالبرق والحريق أنه شهيد.

س: ما حكم الموالد والقيام عند الترحيب وطعن المجذوب؟


(١) صحيح البخاري: كتاب المناقب: باب إتيان اليهود النبي حين قدم المدينة. حديث رقم (٣٦٤٩) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ، فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَظْفَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ، ثُمَّ أَمَرَ بِصَوْمِهِ).
أخرجه مسلم في الصيام، وأبو داود في الصوم، وابن ماجة، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، والدارمي في الصوم.
أطراف الحديث: الصوم، أحاديث الأنبياء، تفسير القرآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>