للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جـ: يحرم على الإنسان أن يرجع في هديته لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ) (١) وفي رواية (الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِد فِي قَيْئِهِ) (٢) بعض العلماء قالوا: هذا التشبيه المنفر الموحش يدل على التحريم، وقال بعض العلماء: الرجوع في الهدية مكروه فقط لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- شبه الراجع في هديته كالكلب الراجع في قيئه، والكلب حيوان غير مخاطب بالتكاليف، وعندي أن الرجوع في الهدية حرام.

[وجوب التسوية بين الأولاد في الهدايا أو الهبات]

س: هل يشرع للإنسان أن يهدي لأحد أولاده أو لبعضهم؟

جـ: يجب على الإنسان إذا أهدى لأحد أولاده هدية أو كسوة أو نقوداً أو قرضاً أو هبة أو أيَّ شيء فيجب عليه أن يهدي للآخرين مثله ويجب عليه التسوية بينهم، فإذا أهدى أو وهب لبعضهم أو لأحد منهم فيجب عليه أن يعطي كل واحد من الآخرين مثله، وإذا زوج بعضهم يجب عليه أن يزوج الآخرين مثله لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) (٣) وإذا أوصى للبعض فيُعطي الآخرين مثله حتى ولو لم يوص لأنه من باب وجوب التسوية بين الأولاد لحديث (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ).

س: والدي يفضل أخي عليَّ ويمكنه من ماله ليتصرف به كيف يشاء وأنا ساهمت في هذا المال بعملي حينما كنت خارج الوطن وسعيت مع والدي وحرمني من سعيي، فما العمل؟

جـ: اعلم بأن الجواب مترتب على صحة ما جاء في سؤالك هذا، فإذا صح أنك عملت وسعيت وتعبت فلك من المال المكتسب في المدة التي عملت فيها بقدر سعيك وجهدك وتعبك من تاريخ شروعك في العمل مشاركة لوالدك إلى تاريخ انفصالك عنه، واللازم عليك هو التوسط بأحد أقارب والدك أو أصدقائه لكي يفهم والدك بأحسن أسلوب أن عليه أن يعطيك قدراً من المال المكتسب في الأيام التي عملت فيها، وإذا حصل خلاف في القدر الذي تستحقه فاللازم أن يختار والدك عدلاً خبيراً بعملك وأن تختار عدلاً خبيراً بعملك ليجتمعا معاً ويتفاوضا ويقدرا لك ما يلزم من الكسوبة بحسب عملك وسعيك وجهدك، وإذا لم يقتنع والدك فلا مانع لك من الحضور عند القاضي الشرعي في المنطقة أو من يحصل عليه التراضي من القضاة لحل المشكلة، وهذا كله مبني على أن هناك مالاً مكتسباً غير أصلي وأنه حصل وقد بلغت وشاركت في تحصيله، وإذا لم يكن هناك مال مكتسب أو كان موجوداً قبل بلوغك ومشاركتك في العمل أو كان بعد بلوغك ولكنك ما كنت تعمل ولا تشارك والدك في السعي فلا حق لك


(١) صحيح البخاري: كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها: باب هبة الرجل لزوجته والمرأة لزوجها. حديث رقم (٢٤٠٠) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ).
أخرجه مسلم في الهبات، والترمذي في البيوع، والنسائي في الهبة، الرقبى، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.
أطراف الحديث: الهبة وفضلها والتحريض عليها، الحيل.
(٢) - صحيح البخاري: قد سبق ذكره في هذا البات من حديث ابن عباس رضي الله عنهما رقم (٢٦٢١).
(٣) صحيح البخاري: كتاب الهبة: باب الإشهاد في الهبة. حديث رقم (٢٤٤٧) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ، قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ).
أخرحه مسلم في الهبات، والترمذي في الأحكام عن رسول الله، والنسائي في النحل، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في أول مسند الكوفيين، ومالك في الأقضية.
أطراف الحديث: الهبة وفضلها والتحريض عليها، الشهادات.

<<  <  ج: ص:  >  >>