للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن، هل تكون داخلة في النصوص القرآنية فيكون الأمر من النبي بها أمراً من الله تعالى بمعنى، هل هذا النوع من السنة النبوية داخل في الأوامر الواردة في القرآن بوجوب اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما أمر به أم أن هذا النوع من السنة شيء مستقل بذاته وبعبارة أخرى هل تستقل السنة بالتشريع وتكون أحاديثها المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي وتثبت بها أحكام شرعية جديدة عن طريق الاستقلال أم عن دخولها تحت نصوص القرآن ولو بتأويل، فذهب الشاطبي مؤلف الموافقات وآخرون إلى الثاني وذهب الجمهور إلى الأول، قال الشافعي رحمه الله في الرسالة ما معناه لم أعلم من أهل العلم مخالفاً في أن سنن النبي -صلى الله عليه وسلم- على ثلاثة وجوه اجتمع العلماء على وجهين:

أحدهما: ما أنزل فيه نص كتاب فبين رسول الله ما نص عليه الكتاب.

والآخر ما أنزل الله فيه جملة كتاب فبين النبي معنى ما جاء مجملاً في الكتاب، وهذان الوجهان لم يختلفوا فيهما.

والوجه الثالث: ما سن رسول الله فيما ليس فيه نص كتاب، فمنهم من قال جعل الله له بما افترض من طاعته وسبق في علمه من توفيقه لرضاه أن يسن فيما ليس فيه نص كتاب، ومنهم من قال لم يسن سنة قط إلا ولها أصل في الكتاب، ومنهم من قال بل جاءت به رسالةالله فأثبتت سنته بفرض الله ولعل مراد الشافعي بالخلاف في القسم الثالث ليس هو الخلاف في وجوده بل في مفرده، هل هو على الاستقلال بالتشريع كما قال أصحاب القول الأول والثالث والرابع، أم بدخوله ضمن نصوص القرآن كما قال أصحاب القول الثاني، وبيان ذلك هو أن السنة قد وردت بأحكام سكت عنها القرآن فلم يثبتها ولم ينفها كالأحاديث الصحيحة الواردة في السنة الدالة على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها، والدالة على الشفعة، وعلى رجم الزاني المحصن، وعلى إرث الجدة وغيرها من الأحاديث المثبتة لأحكام لا توجد في القرآن لا إثباتاً ولا نفياً، وهم الجمهور يقولون: القرآن قد نص على تحريم الزواج بالأمهات وغيرها مما جاء في الآية الكريمة، ولم ينص على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو المرأة وخالتها فجاءت السنة بحكم جديد نص عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو المرأة وخالتها، فهذا التحريم حكم جديد استقلت به السنة لم يوجد في القرآن ما يدل عليه لا إجمالاً ولا تفصيلاً، وكذلك يقولون: جاء القرآن بإباحة البيع وبأن البيع والشراء يكون عن تراض، ولم يذكر الشفعة لا بجواز ولا بمنع فجاءت السنة بالشفعة فكانت أحكام الشفعة أحكام جديدة استقلت بها السنة، وهكذا غير هذه الأحاديث التي جاءت بها السنة ولم ترد في القرآن، والعلماء الذين قالوا بأن جميع ما جاء في السنة من هذا النوع لم يكن مثبتاً لأحكام جديدة بل هي كلها داخلة تحت نصوص القرآن كقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (١).

[حجية من لا يقول بالقياس]

س: ما هي حجة العلماء الذين لا يقولون بالقياس؟ وما هو دليلهم على ذلك؟

جـ: اعلم بأن حجة العلماء الذين لا يقولون بالقياس هو القيام مقام المنع، حيث أن الأصل هو عدم القياس، وأن الحجة هي ما جاء عن الله في القرآن الكريم أو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في السنة النبوية المطهرة الواردة من وجه


(١) سورة النساء: آية (٥٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>