س: من هم أصحاب الكهف الذي حكى القرآن الكريم قصتهم؟ وكم عددهم؟ وفي أيِّ مكان؟ هل كانوا في جزيرة العرب أو في غيرها؟ وما معنى قول الله تعالى حاكياً عنهم {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا}(١)؟
جـ: معنى الآية: أن هؤلاء الفتية الذين ناموا في الكهف قالوا عند أن استيقظوا أرسلوا واحداً منكم بعملتكم الفضية إلى المدينه فلينظر أحسن طعام من الأطعمة الموجودة في المدينة التي تباع فيها ويكون ذلك على جهة الكتمان بحيث لا يظهر خبرنا لأحد، وأما مكان الكهف فقد كان بعض المفسرين وبعض المؤلفين في قصص الأولين يقولون: بأن الكهف الذي رقد فيه الفتية المذكور قصتهم في سورة الكهف هو في جبل في قرية اسمها (أفسوس) في آسيا الصغرى في الأرض التي تسمى بالأناضول والتي كانت تسمى من قبل ببلاد الروم وصارت الآن تسمى بتركيا، ولكن الأدلة قد دلت أخيراً على أن هذا الكهف الذي في (أفسوس) لا ينطبق على ما جاء في القرآن الكريم، والظاهر عندي أن هذا الكهف هو الكهف الذي عثر عليه الأستاذ (محمد تيسير ضبيان) أحد علماء الأردن في هذا العصر في الجبل الذي كان يسمى بـ (الرجيم) وأصبح اسمه الآن (الرقيم)، والذي يبعد عن مدينة (عمان) عاصمة الدولة الأردنية بحوالي ثمانية كيلومترات، والدليل على أن هذا الأخير هو الكهف المذكور في القرآن أن مفتح بابه إلى الجنوب بحيث أن الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال، وهم في فجوة منه أي في متسع من الكهف أي في بقعة واسعة في وسط الكهف حيث ينالهم روح الهواء فلا يؤذيهم برد الغار ولا حر الشمس لأن ما جاء في هذه الآية وما جاء في أقوال المفسرين لها ينطبق كل الانطباق على هذا الكهف الذي في جبل (الرجيم) والذي أصبح اسمه الآن (الرقيم) خارج مدينة عمان فإنه يتجه إلى الناحية الجنوبية والشمس تطل عليه حين تشرق وتبعث بأشعتها إلى مدخل بابه ولكنها لا تنفذ إلى داخله حيث توجد الفجوة التي كانوا يقيمون فيها ويستمر الوضع كذلك حتى وقت غروبها، وهذا ما جاء في الآية الكريمة وفي تفسير ابن جرير الطبري والقرطبي وابن كثير والشوكاني وغيرهم، ومن الأدلة على ما استظهرته أن الأستاذ (ضبيان) قد عثر على المسجد الذي ورد ذكره في هذه السورة وذلك فوق الكهف حيث ظهر سبعة أعمده أثريه قديمه تحت الأنقاظ التي أزيلت أخيراً من فوق هذا الكهف، وربما كانت الأعمدة سبعة رمزاً لعدد هؤلاء الفتيان، وكذلك الفترة التي أخلدوا فيها إلى النوم وهي ثلاثمائة سنة شمسية أو ثلاثمائة سنة وتسع سنين قمرية قد أيدتها الاكتشافات الأثرية الأخيرة، وكذلك الفجوة الواردة في القرآن قد وجدت فعلاً في داخل هذا الكهف وهي ممتدة إلى أعلى الكهف بواسطة نفق في هذا الكهف، ومن الأدلة على ذلك أيضا ما روي عن بعض الصحابة والقادة والكتاب ممن ذكرهم العلامة (ضبيان) المكتشف لهذا الكهف وذلك قصة الصحابي (سعيد بن عامر) التي ذكرها الواقدي في فتوح الشام وزيارة الأمير (أسامة بن منقذ) وغيرها من القصص الدالة على أن السلف قد قالوا عن هذا الكهف بأنه الكهف المذكور في القرآن وقد أيدتها وعززتها الحفريات التي أجرتها دار الآثار العامة في ذلك الموقع والتي كشفت عن القبور السبعة للفتيان السبعة، والقبر الصغير الذي قبر فيه الكلب، وعن المسجد المذكور في القرآن والفجوة وطراز البناء والنقوش والكتابات والزخرفة والنقود البيزنطية التي عثر عيها حال الحفر وكلها تدل دلالة صريحة على العصر الذي ظهروا فيه وتتفق إلى حد بعيد مع ما جاء في القرآن الكريم، وما ورد من روايات إسلامية في مختلف العصور، وأما ما كان يقوله بعض المفسرين، وأحد المؤرخين المسلمين الذين تابعوا رجال الكهنوت والمؤرخين المسيحيين من أنه الكهف الذي في (أفسوس) فهو