للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[آراء العلماء في كيفية صلاة العاري إذا تضيق الوقت ولم يجد ثوبا يصلي فيه]

س: ما رأي علماء الإسلام في قوم من المسلمين كانوا راكبين على سفينة فتكسرت فنجى الركاب من الغرق فنزعوا ثيابهم ونزلوا إلى البحر وأفادوا أنهم لم يكونوا صلوا الظهر والعصر ولم يجدوا ثياباً يسترون بها عوراتهم، فهل يصلون على الحالة أم يتركون الصلاة ويقضونها في وقت آخر عند وجود الثياب؟

جـ: اختلف العلماء في الصلاة التي يريد أن يؤديها المسلمون إذا تضيق عليهم وقت الصلاة المفروضة ولم يجدوا ثياباً يصلون فيها لكونهم كانوا راكبين على سفينة حتى اضطروا إلى نزع ثيابهم والسباحة في البحر حتى عثروا على سفينة أخرى أو وصلوا إلى شاطئ البحر، أو سلبهم قطاع الطرق ثيابهم حتى لم يبق فوقهم أيُّ شيء منها حتى ما يستروا به العورة المغلظة فمن العلماء من قال: إنهم يصلون كغيرهم من المصلين الساترين لعوراتهم لأن الأدلة الدالة على أن المصلي يقوم عند قراءة الفاتحة وما تيسر من القرآن ثم يركع ثم يعتدل ويطمئن ثم يسجد ثم يعتدل ثم يسجد ولم تفرق الأدلة بين العاري والمكتسي أو بين من فاتته الصلاة قبل أن يبحث عن ثياب يستر بها عورته حال الصلاة، وحاصل هذا الجواب: أن الأصل في مشروعية الصلاة أن يكون المصلي قائماً في حال القيام بما عرف من الدين بالضرورة لأنه المشروع في الصلاة عند قراءة الفاتحة وغيرها من الآيات ولأن الأصل هو القيام ولم يجوِّز الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأحد من المصلين أن يصلي وهو قاعد إلا المريض الذي اشتد مرضه لا لمن كان عارياً لم يجد ما يستر به عورته حال الصلاة وخشي فواتها ولا لغيره وإلى هذا المذهب ذهب الإمام الشافعي، وقيل على من يريد الصلاة من غير ثياب يستربهاعورته لتضيق وقت الصلاة قبل أن يتمكن من إيجاد ثوب يستر به عورته عليه أن يصلي قاعداً عارياً مومئاً للسجود أي أنه يصلي ولا يقوم حال قراءة الفاتحة وغيرها بل يقرأها وهو قاعد كما يفعل المريض، كما أ نه أيضاً لا يسجد كما في حالة سجود الساتر لعورته بل يومئ إيماءاً للسجود لأن القاعد لا تظهر عورته مثل ما تظهر عورة الساجد وكذا القاعد لا تظهر عورته مثلما تظهر عورة القائم ولذا قرر أصحاب القول الثاني أن صلاة العريان تكون على هذه الصفة لأن سترالعورة شرط من شروط الصلاة، فإذا لم يتمكن المصلي من ستر عورته في الصلاة فليعمل ما يخفف من ظهور عورته في الصلاة ولو خالف المشروع، وذلك للضرورة ونظراً منهم إلى أنه من خالف الأدلة التي قد دلت على وجوب ستر العورة بأيِّ وجه من الوجوه فإذا لم يجد المصلي ما يستر عورته حال الصلاة فليصل من قعود ويومئ للركوع والسجود إيماء وليكن سجوده أخفض من ركوعه عملاً بقوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (١) وقد ذهب إلى هذا القول الإمام زيد والإمام مالك والإمام الهادي.

ومن العلماء من تعارضت عنده الأدلة التي احتج بها أهل القول الأول وهو أن الأصل في الصلاة أن تكون من قيام وركوع وسجود ولا يخرج عن الأصل إلا بدليل والأدلة التي احتج بها أهل القول الثاني وهو أن ستر العورة واجب ومشروع على كل فرد من أفراد المسلمين رجالاً ونساء بل إنها شرط من شروط صحة الصلاة والقيام والسجود يظهران العورة تماماً والقعود والإيماء ووضع ما تيسر من الطين وورق الشجر تخفي العورة نوعاً ما، فلما تعارضت عنده الحجج ولم يتمكن من الترجيح رأى أن كلتا الصفتين جائزة وأن المصلي الذي اضطر إلى الصلاة ولم يجد ما يستر به عورته وخشي فوات وقت الصلاة مخير بين أن يصلي قائماً وعارياً كما قال الإمام الشافعي أو يصلي قاعداً يومئ إيماءاً كما قال الإمام زيد والإمام مالك والإمام الهادي، وإلى هذا القول الثالث:


(١) - التغابن: الآية (١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>