للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حكما على هذه النسخة بأنها موضوعة، وحكم عليها كثير من العلماء بالوضع كـ (ابن عراق الكناني) في كتاب (تنزيه الشريعة عن الأحاديث الموضوعة) و (الشوكاني) في (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة) وحكم عليها من المعاصرين بالوضع (عبد العزيز الغماري) العلامة المغربي.

معنى حديث (الدنيا ملعونة) هو المحرَّم منها

س: ما المراد بالحديث النبوي الشريف (أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ، وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ)؟

جـ: المراد بقوله (أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ) (١) أنها مبغوضة ساقطة فعبر عنه لأن من لازم المبغوض الساقط والمراد بقوله (مَلْعُونٌ مَا فِيهَا) ملعون ما فيها من الأشياء الدنيوية الفانية من شهوات وغيرها أي أن الاشتغال بها مبعد عن الحق فقد جاء في بعض الآثار ولم يصح حديثاً مرفوعاً (حب الدنيا رأس كل خطيئة) ومعنى قوله (إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ) إلا ذكر الله وما داناه مما أحبه الله تعالى والولى: القرب والدنو، ويكون المعنى الدنيا ملعون ما فهيا إلا ذكر الله وما قاربه من الطاعة الموصلة لمرضاته تعالى، ومعنى قوله (وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ) و إلا العلماء الذين يعلمون الناس الخير وينصحونهم وطلبة العلم الذين يطلبون العلم ليعلموا الجهال أو الذين يطلبون العلم لوجه الله ولا يفهم من هذا الحديث سبُّ الدنيا أو لعن الدنيا مطلقاً بل الظاهر منه أن الملعون من الدنيا ما كان مبعداً عن الله، أمَّا ما كان مقرباً إلى الله فلا يدخل في الدنيا الملعونة بدليل الاستثناء المتصل وهو قوله في آخر الحديث إلا ذكر الله وعالماً ومتعلماً وبدليل الأدلة الأخرى المخصصة لعموم هذا الحديث وهي كثيرة لمن يبحث عنها في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، مثل قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (٢) وقوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (٣) والكلام حول الموضوع طويل.

والخلاصة:

١ - أن كل شيء ثبت شرعاً أنه حرام فهو داخل في عموم قوله الدنيا ملعونة ملعون ما فيها.

ما ثبت شرعاً أنه مشروع على جهة الوجوب أو الندب أو أنه مباح فهو خارج من هذا العموم لأن الأدلة على مشروعيته على جهة الوجوب أو على جهة الندب قد دلت على خروجه من هذا العموم، الأدلة الدالة على مشروعيته مخصصة للعموم كسائر المخصصات لسائر العمومات حتى لقد قيل ما من عامٍ إلا وقد خُص، وهكذا نقول: الأدلة الدالة على إباحة أيِّ شيء من الأشياء تكون مخصصه لعموم قوله (الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا) فلا يبقى من الدنيا ومما في الدنيا داخل في اللعن إلا ما كان محرماً شرعاً، أما غير المحرم مما قد ثبت شرعاً أنه مشروع أو مباح فهو خارج من هذا العموم.


(١) - سنن الترمذي: كتاب الزهد: باب ما جاء في هوان الدنيا على الله. حديث رقم (٢٢٤٤) بلفظ (سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ، وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (٢٣٢٢).
أخرجه ابن ماجة في الزهد.
(٢) الأعراف: آية (٢٢)
(٣) القصص: آية (٧٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>