للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحريم رفض نكاح من يكن مرضياً في خلقه ودينه

س: بعض الناس يعتبر أن النسب له اعتبار في الكفاءة ويستدل على ذلك بحادثة طلاق (زينب بنت جحش) لأنها كانت تتكبر على زيد بن حارثة؟

جـ: حادثة (زينب بنت جحش) هي دليل على أنه لا اعتبار بالنسب لأنها امرأة قرشية بنت عمة النبي -صلى الله عليه وسلم- وزوجها (زيد بن حارثه) الذي ليس بهاشمي ولا قرشي، فهي دليل على عدم اعتبار النسب في الكفاءة، أما أنها كانت تتكبر على زيد وطلقها فلحكمة هي ما ذكره الله -عز وجل- في القرآن الكريم لئلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم كما في قوله تعالى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} (١).

س: هل يجوز لأهل البنت أن يرفضوا زواجها إذا كانت من الهاشميين إلا لهاشمي، أو ترفض البنت ذلك؟

جـ: الشريعة الإسلامية لا تفرق بين أحد من المسلمين الأتقياء ممن هو كفؤ في الدين للمرأة لا في المذهب ولا في النسب، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) (٢) ويقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (٣). ولحديث (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى).

والنبي -صلى الله عليه وسلم- زوج ابنته (زينب) بأبي العاص بن الربيع وهو من بني أمية، كما زوج ابنتيه (رقية وأم كلثوم) بعثمان بن عفان -رضي الله عنه- وهو أموي وزوَّج أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- عمر -رضي الله عنه- ابنته (أم كلثوم) وهو من بني عدي، والإمام الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم الذي ينتسب إليه الزيدية الهادوية في اليمن زوج بناته وهن (علويات فاطميات) بأصحابه الطبريين، وهم ليسوا علويين ولا فاطميين بل ولا عرب وإنما هم فرس من بلاد (طبرستان)، أي أنهم ليسوا بعرب فضلاً عن أن يكونوا من ذرية الحسن أو الحسين ولدى علي بن أبي طالب من زوجته البتول فاطمة الزهراء.

والخلاصة: هي أن المهم هو الكفاءة في الدين، ولا عبرة بالأنساب أو المذاهب وأن الذي على أولياء المخطوبة هو البحث عن سيرة الخاطب من ناحية الدين والسلوك الحسن وتقوى الله، فإذا كان الخاطب متديناً حسن السيرة والسلوك ممن يتقي الله ويخافه سواء كان عربياً أو أعجمياً عدنانياً أو قحطانياً فيجب عليه أن يزوج ابنته أو أخته أو غيرهما ممن له الولاية الشرعية في النكاح عليها عملاً بالحديث الشريف (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) واقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم في تزويج بناته الثلاث بغير هاشميين وتحققا بقوله تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ … تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ


(١) الأحزاب: الآية (٣٧).
(٢) - سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- بتصحيح الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (١٠٨٤).
(٣) - الحجرات: آية (١٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>