للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السنة ما يدل على ما هو أعم من هذا المعنى بسند صحيح عن أنس بن مالك مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند البخاري في صحيحه بلفظ (إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ) (١) فقوله و (وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ) أعم من أن تكون صلاة العشاء الواردة في الحديث المشهور على الألسن أو تكون صلاة المغرب وبمثل ما جاء في البخاري جاء في صحيح مسلم رحمه الله تعالى، كما في حديث عائشة مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ) (٢) كما في صحيح البخاري ومسلم رحمه الله تعالى فلفظة (صَلَاةَ) ها هنا نكرة في سياق النفي والنكرة في سياق النفي تفيد العموم فتعم كل صلاة من الصلوات الخمس وغيرها، كما أن النفي ها هنا بمعنى النهي أي لا يصلي أحد بحضرة طعام يتوق إليه سواء كانت الصلاة ظهراً أو عصراً أو فجراً أو مغرباً أو عشاءً، وعلى هذا الأساس فلا ينبغي لأحد أن يستدل على عدم جواز الدخول في الصلاة إذا كان الأكل حاضراً وكان المصلي جائعاً بهذا الحديث الذي جاء في بعض الكتب واشتهر على ألسنة الناس ولا أصل له في علم الحديث، بل اللازم على من يريد الاحتجاج على عدم الصلاة بحضور الأكل لمن كان جائعاً بحديث (إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ) وذلك لكون هذا الحديث في صحيح البخاري ومسلم ولكونه يعم صلاة المغرب وصلاة العشاء أو يحتج بحديث (لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ) لكونه في صحيح مسلم ولكونه يعم جميع الصلوات وجميع الأطعمة التي تحضر حال دخول أيِّ وقت من أوقات الصلوات الخمس أو غيرها.

هذا وقد نقل بعض العلماء عن مصنف (أبي بكر ابن أبي شيبة) الحافظ المتوفى سنة (٢٣٥) أن الحديث قد جاء بلفظ (إذا حضر العشاء وحضرت العشاء فابدءوا بالعشاء) وليس ذلك بصحيح أصلاً أي أن من نقل عن (ابن أبي شيبة) أنه روى الحديث باللفظ المتداول على ألسنة الناس فهو غالط ولا أصل له في مصنف (ابن أبي شيبة) ولا في غيره من المؤلفات المسندة، قال (السيوطي) ووهم من عزاه لمصنف (ابن أبي شيبة) قال (الملا علي القاري) في (الأسرار المرفوعة) ما معناه وقد سبق (العسقلاني) (السيوطي) بهذا الكلام حيث قال في (فتح الباري) (لفظ ابن أبي شيبة وحضرت الصلاة) كما أخرجه في مسنده لا أنه في المصنف بلفظ (حضرت العشاء) كما توهم، وقد نقل (السخاوي) في (المقاصد) عن شيخه الحافظ (ابن حجر العسقلاني) أنه عقب على كلام شيخه العراقي الذي قال عن حديث (إذا حضر العشاء والعشاء فابدءوا بالعشاء) أنه لا أصل له في كتب الحديث بقوله لكن رأي بخط الحافظ قطب الدين (يعني الحلبي) أن ابن أبي شيبة أخرجه عن إسماعيل يعني ابن علية عن ابن إسحاق حدثني عبدالله بن رافع عن أم سلمه مرفوعاً (إذا حضر العشاء وحضرت العشاء فابدءوا بالعشاء) فإن كان ضبطه فذاك وإلا فقد رواه أحمد في مسنده عن إسماعيل أي ابن عليه الذي رواه عن ابن


(١) - صحيح البخاري: كتاب الأذان: باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة. حديث رقم (٦٣١) بلفظ (حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ).
أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة، وابن ماجة في الصلاة، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الصلاة.
أطراف الحديث: الأطعمة.
(٢) - صحيح مسلم: كتاب المساجد: باب كراهية الصلاة بحضرة الطعام. حديث رقم (١٢٤٦) بلفظ (عَنْ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ، قَالَ: تَحَدَّثْتُ أَنَا وَالْقَاسِمُ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حَدِيثًا، وَكَانَ الْقَاسِمُ رَجُلًا لَحَّانَةً وَكَانَ لِأُمِّ وَلَدٍ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ، مَا لَكَ لَا تَحَدَّثُ كَمَا يَتَحَدَّثُ ابْنُ أَخِي هَذَا؟ أَمَا إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ مِنْ أَيْنَ أُتِيتَ هَذَا أَدَّبَتْهُ أُمُّهُ وَأَنْتَ أَدَّبَتْكَ أُمُّكَ، قَالَ: فَغَضِبَ الْقَاسِمُ وَأَضَبَّ عَلَيْهَا، فَلَمَّا رَأَى مَائِدَةَ عَائِشَةَ قَدْ أُتِيَ بِهَا، قَامَ قَالَتْ: أَيْنَ؟ قَالَ: أُصَلِّي قَالَتْ: اجْلِسْ، قَالَ: إِنِّي أُصَلِّي، قَالَتْ: اجْلِسْ غُدَر، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ).
اخرجه أبوداود في الطهارة، وأحمد في باقي مسند الأنصار.
معاني الألفاظ: لحانة: كثير الخطأ في الإعراب. أضب: حقد. الأخبثان: البول والغائط.

<<  <  ج: ص:  >  >>