للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمرت بعض فراخي وهي السكين [١] ، فأصبحت من النفاثات في عقدك يا مسكين، فأخلت من الحياة جثمانك، وشقت أنفك، وقطعت لسانك، ويك، إن كنت للديوان فحاسب مهموم، أو للإنشاء فخادم لمخدوم، أو للبليغ فساحر مذموم، أو للفقيه، فناقص في العلوم، أو للشاعر، فسائل محروم، أو للشاهد فخائف مسموم، أو للمعلم، فللحي القيوم، وأما أنا، فلي الوجه الأزهر، والحلية والجوهر، والهيبة إذ أشهر، والصعود على المنبر، شكلي الحسن عليّ، ولم لا حملك الخطيب بدلي، ثم إني مملوك كمالك، فاتك كناسك، أسلك الطرائق، وأقطع العلائق.

وقال القلم: أما أنا فابن ماء السماء، وأليف الغدير، وحليف الهواء، وأما أنت، فابن النار والدخان، وباتر الأعمار، وخوّ ان الإخوان، تفصل ما لا يفصل، وتقطع ما أمر الله به أن يوصل، لا جرم سمّ السيف وصقل/ قفاه، وسقي ماء حميما، فقطع أمعاءه، يا غراب البين، ويا عدّة الحين، ويا معتل العين [٢] ، ويا ذا الوجهين، كم أفنيت وأعدمت [٣] وأرملت وأيتمت.

قال السيف: يا ابن الطين، ألست ضامرا وأنت بطين، كم جريت بعكس، وتصرفت في مكس [٤] ، وزوّرت وحرّمت، ونكّرت وعرّفت، وسطّرت هجوا وشتما، وخلّدت عارا وذمّا، أبشر بفرط روعتك، وشدة ضيقتك، إذا قست بياض صحيفتي بسواد صحيفتك، فألن خطابك فأنت قصير المدة، وأحسن جوابك فعندي حدّة، واقلل من غلظتك وجبهك، واشتغل عن دم في وجهي بمدة في وجهك، وإلا فأدنى ضربة مني تروم أرومتك، فتستأصل أصلك، وتجتث جرثومتك، فسقيا لمن غاب بك عن غابك، ورعيا لمن أهاب لسلخ إهابك.

فلما رأى القلم السيف قد احتدّ، ألان له من خطابه ما اشتد، وقال: أما الأدب فيؤخذ عني، وأما اللطف، فيكتسب مني، فان لنت لنت، وإن أحسنت أحسنت، نحن أهل السمع والطاعة، ولهذا تجمع في الدواة الواحدة جماعة، وأما أنتم، فأهل/ الحدة والخلاف، ولهذا لم يجمعوا بين سيفين في غلاف.

قال السيف: أمكرا ودعوى عفّة، لأمر ما جدع قصير أنفه [٥] ، لو كنت كما زعمت ذا أدب، ما قابلت رأس الكاتب بعقدة الذّنب، أنا ذو الصيت والصوت، وغراراي ليّنا


[١] في ب، ط، ل: وهو السكين. والسكين تذكر وتؤنث.
[٢] يريد أن عين الاسم من كلمة السيف وهي الياء حرف علة.
[٣] في ب، ط، ل: كم أفنيت وأقنيت. وأقنى: كسب وجمع.
[٤] المكس: نقص الثمن، والضريبة يأخذها المكّاس ممن يدخل البلد من التجار.
[٥] هو مثل، ينظر مجمع الأمثال ٢/١٩٦.

<<  <   >  >>