للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسّ، فيّ ترتحل غرائب الموت، أنا من مارج من نار والقلم من صلصال كالفخار، وإذا زعم القلم أنه مثلي، أمرت من يدق رأسه بنعلي، قال القلم: صه، فصاحب السيف بلا سعادة كالأعزل، قال السيف صه، فقلم البليغ بغير حظ كمغزل.

قال القلم: أنا أزكى وأطهر. قال السيف: أنا أبهى وأبهر.

فتلا ذو القلم لقلمه: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ

[١] ، فتلا صاحب السيف لسيفه:

فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ

[٢] ، فتلا ذو القلم لقلمه: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ

[٣] ، قال القلم: أما وكتابي المسطور وبيتي المعمور [٤] ، والتوراة والإنجيل، والقرآن ذي التبجيل، إن لم تكفّ غربك [٥] ، وتبعد مني قربك، لأكتبنّك من الصم البكم، ولأسطرنّ عليك بعلمي سجلا [٦] بهذا الحكم.

قال السيف: أما ومتني المتين، وفتحي المبين، ولسانيّ الرّطبين، ووجهيّ الصّلبين/ إن لم تغب عن بياضي بسوادك، لأسخّمنّ وجهك بمدادك، ولقد كسبت من الأسد في الغابة توقيح العين والصلابة، مع أني ما ألوتك نصحا: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً

[٧] .

قال القلم: سلّم إليّ مع من سلّم، إن كنت أعلى فأنا أعلم، أو كنت أحلى فأنا أحلم، أو كنت أقوى فأنا أقوم، أو كنت ألوى [٨] فأنا ألوم، أو كنت أطرى فأنا أطرب، أو كنت أعتى فأنا أعتب، أو كنت أقضى، فأنا أقضب.

قال السيف: كيف لا أفضلك والمقر الفلاني شاد أزري. قال القلم: كيف لا أفضلك وهو عز نصره ولي أمري. قال الحكم بين السيف والقلم: فلما رأيت الحجتين ناهضتين، والبيّنتين متعارضتين، وعلمت أن لكل منهما نسبة صحيحة إلى هذا المقر الكريم، ورواية مسندة عن حديثه القديم، لطّفت الوسيلة، ودقّقت الحيلة، حتى رددت القلم إلى كنّه، وأغمدت السيف فنام ملء جفنه، وأخّرت بينهما الترجيح، وسكتّ عمّا هو عندي الصحيح، إلى أن يحكم المقرّ بينهما بعلمه، ويسكّن سورة غضبهما الوافر،


[١] سورة الكوثر الآية الأولى.
[٢] الكوثر ٢.
[٣] الكوثر ٣.
[٤] إشارة إلى قوله تعالى: وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ
. الطور ١- ٣.
[٥] في حاشية ب، ل: الغرب، الحد، وغرب الشىء حده.
[٦] في ط: ولأسطرن عليك سجلا. كلمة (بعلمي) ساقطة.
[٧] الزخرف ٤.
[٨] ألوى الرجل: أكثر من التمني بإكثاره من حرف (لو) في كلامه.

<<  <   >  >>