للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وللأرض السبخة دولة على الأرض العذبة، وما من شىء إلا وله دولة، حتى تنقضي دولته.

وقال: أنشدنا أبو الحسن الفقيه الشافعي، قال: أنشدني أبو تراب علي بن الحسين المقري لبعض الشعراء في قاضيين، كان أحدهما يعزل، ويولّى الآخر في كل وقت: [المجتث]

عندي حديث طريف ... بمثله يتغنّى

في قاضيين يعزّى ... هذا وهذا يهنّى

هذا يقول اكرهونا ... وذا يقول استرحنا

ويكذبان ونهذي ... فمن يصدّق منّا [١]

وأخرج ابن عساكر عن عطاء السليمي [٢] قال: مررت ذات يوم في أزقة الكوفة فرأيت عليّان واقفا على طبيب يضحك منه، فقلت: ما يضحكك؟ قال: من هذا العليل السقيم الذي يداوي غيره وهو مسقام، قلت: فهل تعرف له دواء ينجيه مما هو فيه؟ قال: نعم، شربة إن هو شربها رجوت برأه مما هو فيه، قلت: صفها، قال: خذ ورق الفقر، وعرق الصبر، وهليلج التواضع، وبليلج المعرفة، وغاريقون الفكر، فدقها دقا ناعما بهاون الندم، واجعلها في طنجير التّقى، وصبّ عليها ماء الحياة، وأوقد تحتها حطب المحبة، حتى يرغو الزبد، ثم افرغها في جام الرضى، وروّحها بمروحة الجهد، واجعلها في قدح الفكرة، وذقها بملعقة الاستغفار، فلا تعود إلى المعصية أبدا. قال: فشهق الطبيب شهقة خرّ مغشيا عليه، ثم فارق الدنيا.

قال عطاء: ثم رأيت عليان بعد حولين في الطواف، فقلت له: وعظت رجلا فقتلته، قال: بل أحييته، فقلت: فكيف؟ قال: رأيته في منامي بعد ثلاث من وفاته/ عليه قميص أخضر ورداء، وبيده قضيب من قضبان الجنة، فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: وردت على رب رحيم غفر ذنبي، وقبل توبتي، وأقالني عثرتي.

وأخرج ابن عساكر، عن طريق تمام بن محمد، أخبرني أبي، حدثني أبو الحسن علي بن شيبان الدينوري، أخبرني محمد بن عبد الرحمن الدينوري، عن الربيع بن سليمان، قال، قال الشافعي [٣] : سمعت سفيان بن عيينة [٤] يقول: إن العالم لا يماري ولا يداري، ينشر حكمة الله،


[١] في ش: ويكذبان جميعا.
[٢] عطاء السليمي: ويقال له عطاء العبدي، قال عنه أبو نعيم: ذو الخوف العظيم، والقلب السليم. (حلية الأولياء ٦/٢١٥) .
[٣] في ب، ط، ل: الشافعي رضي الله عنه.
[٤] سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي الكوفي: محدث الحرم المكي، ولد بالكوفة وسكن مكة، كان حافظا ثقة واسع العلم، كبير القدر، له (الجامع) في الحديث، وكتاب في التفسير، توفي سنة ١٩٨ هـ. (حلية الأولياء ٧/٢٧٠، طبقات ابن سعد ٥/٤٩٧) .

<<  <   >  >>