للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولا تطيب نفس الإنسان بما ورد: (أنّ الولد يتلقّى أباه، فيأخذ بثوبه، فلا ينتهي حتى يدخله الله الجنة وإيّاه) [١] ، هم: (دعاميص الجنة) [٢] ، دخّالون في منازلها بغير جنّة، يتلقون آباءهم من أبواب الجنة الثمانية، من أيّها شاء دخل، حيث سلموا من الحنث والإثم والدّخل [٣] ، ما أثقل الولد الصالح في الميزان، وما أنفل غنمه [٤] الرابح، حيث يفتح لأبيه أبواب الجنان، وما أسرّه إذ يتلقاه بكأس الشراب وهو في الموقف ظمآن، ذلك تخفيف من ربكم لذنوبكم، ورحمة بعباده المؤمنين، إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ

[٥] .

ألا إن الذي لم يقدم من ولده شيئا هو الرقوب [٦] ، اذكروا ما ابتلى الله به من فراق ولده ثمانين عاما صفيّه يعقوب [٧] ،/من حمد ربه واسترجع عند قبض ولده، بنت الملائكة له بيتا في الجنة، وسمّوه بيت الحمد [٨] ، فطوبى لمشهده، وكيف لا يوطن نفسه على فراق الأحباب، ولله كلّ يوم ملك ينادي بباب السماء: يا أيها الناس، لدوا للموت وابنوا للخراب، وأوحى الله ذلك إلى آدم حين أهبطه من الجنان، وصاح به من الطير ورشان [٩] ، بحضرة النبي سليمان، قال بعض من تقدم في الزمان [١٠] : [الطويل]

وللموت تغدو الوالدات سخالها ... كما لخراب الدور تبنى المساكن

وقال بعض من تأخر [١١] : [الوافر]

بني الدنيا أقلّوا الهمّ فيها ... فما فيها يؤول إلى الفوات

بناء للخراب وجمع مال ... ليفنى والتوالد للممات


[١] صحيح مسلم ٤/٣٩، الموطأ ١/٧٣٠.
[٢] النهاية في غريب الحديث ٢/١٢٠، وفي المجازات النبوية للشريف الرضي ص ٤٠٦ يقول: «هذه استعارة، والدعموص: دويبة صغيرة تكون في مياه العيون، يقال: إنها ضفدع، فكأنه عليه الصلاة والسلام شبههم للعبهم في أنهار الجنة ومياهها بالدعاميص التي تعوم في قرارات الغدران وجمامها» .
[٣] الدخل: العيب والغش والفساد. (اللسان: دخل)
[٤] ما أنفل غنمه: ما أكثره.
[٥] يوسف ٩٠.
[٦] في النهاية في غريب الحديث ٢/٢٤٩ قال: الرقوب في اللغة، الرجل والمرأة إذا لم يعش لهما ولد، فنقله النبي صلّى الله عليه وسلم إلى الذي لم يقدم من الولد شيئا.
[٧] قصص الأنبياء لابن كثير، قصة يوسف ١/٣٠٦.
[٨] ينظر: الجامع للأصول في أحاديث الرسول ١/٣٤٩، الزهد، لعبد الله بن المبارك ص ٢٨، وعمل اليوم والليلة لابن السني ص ٢١٨.
[٩] الورشان: طائر شبه الحمامة، أكبر قليلا منها.
[١٠] البيت لسابق البربري في العقد الفريد ٢/٦٩، وتهذيب ابن عساكر ٦/٣٨.
[١١] البيتان دون عزو في رحلة الشتاء والصيف لابن كبريت ص ١١٩.

<<  <   >  >>