للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأعظم ما يسلي الوالد عن صفيّه، مصيبته بسيّده وهاديه ونبيّه، قال صلّى الله عليه، مرشدا بالقول الصائب: (من أصيب بمصيبة، فليذكر مصيبته بي، فانّها أعظم المصائب) [١] ، وفي حديث آخر: (من أصيب بمصيبة فليتعزّ بمصيبته بي عن حملها، فانه لن يصاب أحد من أمتي من بعدي بمثلها) [٢] .

ومن أحسن ما كتب به شاعر إلى أخيه، يعزيه عن ابنه ويسليه [٣] : [الكامل]

اصبر لكلّ مصيبة وتجلّد ... واعلم بأنّ المرء غير مخلّد

وإذا ذكرت محمّدا ومصابه ... فاذكر مصابك بالنبيّ محمّد

ومما يجلب الأسى، ويذهب بعض الأسى [٤] ، تذكّر ما وقع للخلق من ذلك، فقلّ أحد إلا وقد سلك به هذه المسالك، كتب ذو القرنين [٥] لأمه حين حضرته الوفاة مرشدا:

أن اصنعي طعاما للنساء، ولا يأكل منهن من أثكلت ولدا، فلما فعلت ودعتهن لم تأكل منهن واحدة، وقلن: ما منّا امرأة إلا وقد أثكلت ما هي له والدة، فقالت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون هلك ابني، وما كتب بهذا إلا تعزية لي وتسلية عني [٦] .

وقالت امرأة من العرب، أفنى الطاعون أهلها واستلب [٧] : [الطويل]

ولولا الأسى ما عشت في الناس ساعة ... ولكن متى ناديت جاوبني مثلي

وقالت الخنساء وهي تتأسى [٨] : [الوافر]

ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي


[١] الجامع الكبير ١/٧٤٨، كنز العمال ٦٦٥٥.
[٢] الجامع الكبير ١/٩٥٦، تهذيب ابن عساكر ٤/٣١١، الكامل في الضعفاء لابن عدي ٧/٢٦٢٥.
[٣] البيت الأول لأبي العتاهية في ديوانه ص ١١٧، والثاني في هامشه، ونسب البيتان لإبراهيم بن المهدي في مناقب آل أبي طالب ١/٢٠٥، وبدون عزو في الحيوان ٣/٤٧٣، والتعازي للمبرد ص ٨١، وعيون الأخبار ٣/٥٨.
[٤] الأسى بالضم: الصبر، وبالفتح: الحزن. (اللسان: أسا) .
[٥] ذو القرنين: هو الاسكندر المقدوني، القائد اليوناني المشهور، ترجمته وأخباره في تهذيب ابن عساكر ٥/٢٥٢، ومختار الحكم ومحاسن الكلم لابن فاتك ص ٢٢٢- ٢٥١.
[٦] ورد الخبر في تهذيب ابن عساكر ٥/٢٨٥، ومحاضرات الراغب الأصفهاني ٢/٥١٢، ومختار الحكم ص ٢٤٢.
[٧] البيت للحريث بن زيد الخيل في التنبيهات لعلي بن حمزة ص ٩٥، وشرح الحماسة للتبريزي ٢/٣٢٥، والشعر والشعراء ص ١٥٧، والأغاني ١٧/٢٦٩، ونسب للشمردل بن شريك في شرح الحماسة للتبريزي ٢/٣٣٧، وشرح المضنون به للعبيدي ص ٤٣٥٤، ونسب لنهشل بن حري في شرح الحماسة للتبريزي ٢/٣٣٧.
[٨] ديوان الخنساء ص ٨٤- ٨٥.

<<  <   >  >>