للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما من مات من الأطفال وهو يرضع، فانّ له أن يغذى في الجنة، ويروى ويشبع، ورد في الحديث: (إنّ في الجنة شجرة من خير الشجر، لها ضروع كضروع البقر، فمن مات من الصبيان الذين يرضعون، رضعوا منها أجمعون أكتعون أبصعون) [١] .

وورد في الحديث عن سيد بني عبد مناف بن قصيّ: (كلّ مولود ولد في الإسلام فهو في الجنّة، شبعان ريّان، يقول: يا ربّ أورد عليّ أبويّ) [٢] .

ومما يغبط فيه الأطفال أنهم ينجون في القبر من هول السؤال، وغيرهم من البالغين يسألون ويقلقلون ويتلتلون [٣] ، ويكرّر عليهم السؤال سبعة أيام، ولهذا كان السلف يستحبون عنهم فيها الإطعام، فأعظم بالسلامة من هذا الهول من سلامة، وناهيك بالمعافاة من هذه الفتنة من كرامة، وقد قال النسفي [٤] ، وهو الإمام الجليل الكبير: «الأنبياء/ وأطفال المؤمنين ليس عليهم حساب، ولا عذاب القبر، ولا سؤال منكر ونكير» [٥] .

وتمام النعمة والكرامة، أنهم يكونون في ظلّ العرش يوم القيامة، مأذونا لهم في الشفاعة، مجابا قولهم بالقبول والطاعة، ورد في الحديث من طريق الحفّاظ المتضلعين: (ذراري المسلمين يوم القيامة تحت العرش شافعين ومشفّعين) [٦] ، وقال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ

[٧] ، قال علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر: «هم أطفال المسلمين» [٨] . ثم إذا دخلوا الجنة كانوا مع أرفع الأبوين مكانا، وخير الوالدين فضلا وإحسابا.

وقد روى ابن أبي الدنيا عن ابن مسعود، وهو كمرفوع السنة: «إن أطفال المسلمين ملوك يخدمون في الجنة» ، وروى ابن حاتم عن خالد بن معدان [٩] ذي الجلالة والإمامة:


[١] في نسخة ب: أبضعون. الحديث في التمهيد لابن عبد البر ٤/٢٠٨. أكتعون: تأكيد (أجمعون) ، ولا يستعمل مفردا عنه، واحده: أكتع، وهو من قولهم: جبل كتيع: أي تام (النهاية في غريب الحديث ٤/١٤٩) أبصع: كلمة يؤكد بها، وهو توكيد مرتب لا يقدم على أجمع. (اللسان: بصع) .
[٢] إتحاف السادة المتقين للزبيدي ١٠/٣٩٨.
[٣] يتلتلون: يصرعون. (اللسان: تلل)
[٤] النسفي: عمر بن محمد بن أحمد النسفي، نسبة إلى نسف، من فقهاء الحنفية، عالم بالتفسير والفقه والأدب والتاريخ، له مصنفات كثيرة، توفي بسمرقند سنة ٥٣٧ هـ. (الفوائد البهية ص ١٤٩، لسان الميزان ٤/٣٢٧.
[٥] مجموعة الحواشي البهية على شرح العقائد النسفية ١/١٦١.
[٦] الجامع الكبير ١/٥٢٦، كنز العمال ٣٩٣٠٧، تهذيب تاريخ دمشق ٥/٣٢٩.
[٧] سورة المدثر ٣٨، ٣٩.
[٨] تفسير مجاهد ٢/٧٠٦.
[٩] خالد بن معدان بن أبي كرب الكلاعي: تابعي ثقة، ممن اشتهروا بالعبادة، من فقهاء الشام بعد الصحابة، قال خالد بن معدان: أدركت سبعين رجلا من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم، كانت إقامته في حمص بالشام، توفي سنة ١٠٤ هـ. (تهذيب ابن حجر ٣/١١٨- ١٢٠، تهذيب ابن عساكر ٥/٨٦) .

<<  <   >  >>