للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه ردّ كما يردّ الحيّ من الناس [١] .

أما مقرّ الروح، وما أدراك ما مقرّ الروح، فمختلف بحسب الصاحب، ومتنوع على قدر المراتب، فأرواح في حواصل طير خضر، تسرح في الجنّة حيث شاءت، وتأوي إلى قناديل من ذهب/ في ظلّ العرش، إذا باتت وباءت [٢] ، وأرواح في قبّة خضراء سندسيّة، على بارق نهر بباب الجنة العيّة، يخرج إليهم رزقهم منها غدوة وعشية.

وأرواح الأطفال الذين لم يبلغوا الحنث ولم تجرح، عصافير من عصافير الجنّة ترعى وتسرح، وأرواح في السماء الدنيا أيضا، وأرواح في السماء السابعة، في دار يقال لها البيضا، وأرواح في كفالة جبرائيل [٣] ، وأرواح في كفالة ميكائيل، وأرواح في خزانة رميائيل، وأرواح في سبب ممدود بين السماء والأرض، وذلك فيما بين المشرق والمغرب في العرض، وأرواح في برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت، ولا تلزم، وأرواح تجمع بأريحا [٤] ، وتجيء إلى الجابية [٥] ، وأرواح ببئر زمزم تتفاوت في المقرّ الأعظم، تفاوتا بحسب مقامها واختلفت على حسب أعمالها وأعظامها [٦] .

ولكل روح اتصال ببدنها معنويّ، وتعلق بجسدها قوي، بحيث يصحّ أن يسلّم عليها، وتفهم ما يقع من الخطاب لديها، وتسمع الكلام، وتردّ السلام، وهي في الرفيق الأعلى، والفريق الأحلى، لأنّ الروح لها شأن، لا يشابه شأن الأبدان، بحيث تكون في محالّ متعددة في آن واحد، وعلى ذلك تتنزل مسألة تبدّل الوليّ، وأحاديث جمّة الموارد، وأقرب شبه في ذلك/ الشمس المنيرة فانّها في السماء وأشعتها في الأرض كثيرة [٧] .

وقد صحّ الحديث من طرق غزيرة، وأخرجه أحمد والحاكم والبيهقيّ من رواية أبي هريرة: (أنّ أولاد المؤمن في جبل في الجنّة، له وسامة، يكفلهم إبراهيم وسارة، حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة) [٨] ، فنعم الوالدان الكافلان هما، وهنيئا مريئا لولد فارق أبويه وأمسى عندهما.


[١] ينظر: الروح لابن القيّم ص ٢٣، ٢٨.
[٢] الروح لابن القيم ص ١٤٧- ١٤٨.
[٣] في ش: جبريل. ينظر في الملائكة: السيوطي الحبائك في أخبار الملائك ص ١٥، ٢٦، ٦٩.
[٤] أريحا: مدينة الجبارين في الغور من أرض الأردن بالشام، بينها وبين القدس يوم للفارس في جبال صعبة المسلك. (ياقوت: أريحا) .
[٥] الجابية: قرية من أعمال دمشق، ثم من عمل الجيدور من ناحية الجولان، قرب مرج الصفر في شمالي حوران. (ياقوت: الجابية)
[٦] الروح لابن القيم ص ١٥٨- ١٦١.
[٧] الروح ص ١٥٠- ١٥٣.
[٨] الجامع الكبير ١/١١٦، المستدرك على الصحيحين للحاكم ١/٣٨٤، الفوائد المجموعة للشوكاني ٢٦٧.

<<  <   >  >>