للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فنّه [١] ، فانّ المتصدر قبل أوانه سفيه، وربّ فقيه لا أدب فيه، فلما أتم درسه، وبسط لي أنسه، وسألني عن حالتي، فقلت في لجاجتي: نحن عشرة ذوو نسب، وألو علم وأدب، وقد أنشد كلّ منا بيتي شعر، سامهما بأغلى سعر، وأقام وزنهما، وقال: إنهما وإنهما، وأنا رسول أصحابي إليك، لتنصف بيننا فقد دللت عليك، فقال: قل ما أردت أن تقول، وابدأ بنفسك ثم بمن تعول، ثم أصاخ إليّ، فأنشدت بيتيّ، وهما: [السريع]

زائرة زارت بلا موعد ... أفدي بما أملكه سيرها

فقلت ماذا وقته فارجعي ... وعاوديني ليلة غيرها

فقال: هذا سوء الأدب بالأدب، والدليل على ضعف الطلب، أتزورك متفضلة، وترجع خجلة، سأنشدك بيتين لا مطعن عليهما، ولم أسبق إليهما [٢] : [السريع]

جبرت يا عائدتي بالصله ... فتممي الإحسان تنفي الوله

وهذه قد حسبت زورة ... لم أنت يا لعبة مستعجله

ثم قال: هكذا المعاني، فأنشدته قول الثاني: [السريع]

يا من أعار الليث حسن اللقا ... وكم أعار السحب الهطلا

بعضك في الجود ككلّ الورى ... فاعجب لبعض يعدل الكلّا

فقال: لقد أشبهك في بيتيك، لا بل أربى في سوء الأدب عليك، فمن أعار الليث لقاه، فبماذا يلقى عداه؟ ومن أعار السحب الهطل، فقد خلت عن الهطل يداه، ولو أبدل أعار ب (علّم) ، واحترز من خطر عموم البيت الثاني، كان أسلم، إذ يلزمه أن يكون بعض هذا الممدوح، مساويا في الجود للورى حتى للكليم والروح، لقد أخطأ وأحال، ويا ليته قال: [مخلع البسيط]

علّمت ليث الشرى وثوبا ... والسحب علّمتهنّ هطلا

حاشاك ذمّ وكلّ ضدّ ... فصحّ قولي حاشا وكلّا

ثم قال: قد أريتك المباحث، فأنشدته قول الثالث: [السريع]

لو كنت محتاجا إلى درهم ... لكان بالمدّاح لي أسوه

وكان من لا يعطني أهجه ... فالحمد لله على الثروه


[١] قوله: (فاحتقرته لحداثة سنه.... غير فنه) ساقطة من نسخة ب.
[٢] البيتان في فوات الوفيات ٣/١٥٨ تحقيق إحسان عباس ط بيروت ١٩٦٨، مع خلاف يسير في الرواية، والبيتان في أعلام النبلاء ٥/٧، وتتمة المختصر في أخبار البشر لابن الوردي، ١/٢٨٥، تحقيق رفعة البدراوي، ط بيروت ١٩٥٠ م.

<<  <   >  >>