للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال: هذا نظم على الفتوح، فهو كجسد بلا روح، وتقدير ضمير الشأن، بعد قوله (وكان) يحيا به الميت، وإلا خرب البيت، وشاهد هذه النفيسة: «إن من يدخل الكنيسة» [١] ، فتنبّه إليّ، وانظر كيف أخذت هذا المعنى بكلتا يدي، فقلت: [مجزوء الرمل]

أنا لو كنت مقلا ... ما اصطلى الناس بناري

خلص العالم جمعا ... من يميني ويساري

ثم قال: قد جئتك ببدائع، فأنشدته قول الرابع: [السريع]

له قباء خلت تطريزه ... لحسنه تطريز خدّيه

ملتفت نحوي كظبي النقا ... لا ما لظبي غنج عينيه [٢]

فقال: لا معنى بديع، ولا لفظ صنيع، قنع قائله بالوزن والقافية، وجمع بين ثقل (لا) و (ما) النافية، فلو رآه سقراط، أعرض عن حبه بغضا ولم يعرج، وقال: إن لم يكن معلما وإلا فدحرج، فاسمع في المعنى تضميني الثمين الذي أردفت جيش حسنه [٣] بكمين، فقلت: [مجزوء الرجز]

طرز قباء محنتي ... كخدّه ورقمه

ما أعوزت منه الظبا ... إلا طراز كمّه

ثم قال: هكذا النفائس، فأنشدته قول الخامس: [الكامل]

بأبي مخيّلة إذا رقصت ... رقص الفواد ونقّط الدمع

رفعت نقاب الحسن ثم شدت ... فافتنّ فيها الطّرف والسّمع

فقال: لقد بالغ في ثلبها ونقصها بقوله: (رقص الفؤاد ونقّط الدمع) لرقصها، فهي إذن معزية لا مهنّئة، ونائحة لا مغنّية، وفي قوله: (رفعت نقاب الحسن) كلام، وفي قوله:

(افتن) عسر، والسلام، فدع فساد المخيلة، واسمع ما قلته في مخيّلة: [السريع]

جاءتك في طيف خيال حكت ... طيف خيال هزّ أعطافه

مصرية في نور شامية ... يا حين ذي الشمعة طوّافه [٤]


[١] يشير لقول الأخطل: (مغني اللبيب ١/٣٧، خزانة الأدب ١/٣٠٩، ولم يرد البيت في ديوانه ط بيروت ١٩٩٤) .
إنّ من يدخل الكنيسة يوما ... يلق فيها جآذرا وظباء
[٢] في ع: ملتفتا نحوي.
[٣] في ب، ل: جنس حسنه.
[٤] في ع: يا حسن ذي الشمعة.

<<  <   >  >>