للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قال: كذا من وجهين تجلى العرائس، فأنشدته قول السادس: [المنسرح]

لي أغيد لو بذلت نفسي ... في قبلة منه لم أنلها

قلت له بين عاشقيه ... أتاجر أنت قال: بالها

فقال: هذا رجل صرف (أغيد) ضرورة، وجعل (الهاء) [١] الممدودة مقصورة،/ وكان يقال: الجمع بين ضرتين، ولا الجمع بين ضرورتين، وبالجملة فما وفق لفصيح إعراب، ولا جاء بمعنى ذي إغراب، فاسمع ما قلت في تاجر، فملأت عينه بالجواهر: [السريع]

وتاجر شاهدت عشّاقه ... والحرب فيما بينهم ثائر

قال علام اقتتلوا هكذا ... قلت: على عينيك يا تاجر

ثم قال: هذا البرق اللامع، فأنشدته قول السابع: [مجزوء الرمل]

قيل لي: ماذا يحاكي ... قدّ سعدى، قلت صعده [٢]

قيل لي فالريق منها ... أيّ شيء؟ قلت: شهده

فقال: تعمّق هذا القائل، وزعم لطف الشمائل، ووجّه لقدّ سعدى رفعا ونصبا، وجاء في سعدى وصعدة بتجنيس سميناه مليحا غصبا، وخفي عنه أنه لحن حقيقة، بتأخير (أي شيء) عن (الريقة) ، فالخبر إذا تضمن استفهاما وجب تصديره. وسأنشد في المعنى ما يعذب استرقاقه، ويملح تحريره، وهو: [السريع]

قال حكت قامتها صعدة ... فقلت لم تجرح تعديلها [٣]

قال فهل ريقتها شهدة ... فقلت كم تقصد نفسي لها

ثم قال في (تعسيلها) ثلاث محاسن، فأنشدته قول الثامن: [السريع]

أحسن ما كانت كؤوس الطّلا ... سوادحا يبدو بها الخافي [٤]

فالنقش نقص ومن الرأي أن ... يرتشف الصافي من الصافي

فقال: أحسن هذا بعض الإحسان في شعره، حيث قال: (يبدو بها الخافي) تورية بسره وجهره، وجانس بين النقش والنقص، فغدت كل ربوة تشتهي الرقص، ثم جاء أمرا بدعا، وأساء الأدب شرعا، إذ تسهّل في الأمر، وجعل من الرأي إرتشاف كأس الخمر، إلا أن يريد رأي السقاة [٥] ، ولا يريد رأي الثقات، فيحسن إذن له الخلاص، وإلا


[١] أي الهاء في آخر البيت في كلمة (بالها) .
[٢] الصعدة: الرمح.
[٣] في ب، ش، ل: قد حكت قامتها.
[٤] في ب، ش، ل: سوادجا، بالجيم المعجمة، والسوادح: السحب الشديدة، واحدتها سادحة.
[٥] في ش: رأي الشقاة.

<<  <   >  >>