للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مليح بادي، فلقد أفرغت الجبن في قالب الحسن، فقلت [١] : [الرمل]

جاءنا ملتثما مكتتما ... فدعوناه لأكل وعجبنا

مدّ في السفرة كفّا ترفا ... فحسبنا أنّ في السفرة جبنا

قال الحاكي: فلما أتم القاضي قوله، أطلت شكره، وشكرت طوله، وقلت: بان أن مقاطيعنا العشرة خاملة، وإن عشرتك تلك عشرة كاملة/، ثم استغفرت ربي من احتقاري له بقلبي، وعوّذت بالله ذهنه، أن يرضى بمنبج وهي كليلة ودمنة [٢] ، فقال:

اسمع أيها المتعصب لكبر الفضيلة على صغر المنصب، أنشد: [الكامل]

وإذا رأت عيناي عالي رتبة ... بلغ المعالي وهو غير مهذّب

قالت لي النفس العزوف بفضلها ... ما كان أولاني بهذا المنصب

فأقول يا نفس ارجعي وتأدّبي ... وثقي فما الحسد الذميم بمذهبي

هي سنّة الدنيا فكم من فاضل ... في الخاملين وكم ترفّع من غبي

وكفاني تأدبا ما قلت في الصّبا: [مجزوء الرمل]

قل لمن لام لكوني ... في مكان غير طائل

هكذا الفاضل مثلي ... عند قسم الرزق فاضل

قال الحاكي، فقلت: أيها القاضي لقد أعجبتني برضاك وأدبك، فلئن يعاب الزمان فيك، خير من أن يعاب بك، ثم سألته الصفح عما قدمت، وودعته للرحلة وآليت بآي الكتاب، أن لا أزري بعدها بشاب، فسبحان من يؤتي الحكم من يشاء صبيا [٣] ، ويخص بعض البقاع بمسك ضائع وإن كان ذكيا./

[تمت المقامة المنبجية]


[١] البيتان في تتمة المختصر ٢/٢٦٧، وأعلام النبلاء ٥/٧.
[٢] كليلة ودمنة: الكتاب المشهور في التهذيب والأخلاق على ألسنة الحيوان، أهله هندي ثم ترجم إلى الفارسية، ثم ترجمه ابن المقفع إلى العربية. (كشف الظنون لحاجي خليفة ٢/١٥٠٧ ط استانبول ١٩٤٥ م) .
[٣] هو من قوله تعالى: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا
سورة مريم ١٢.

<<  <   >  >>