للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن تأمّلت فقربي منهم ... غير أنّ القلب مغناه طلل

إنما الصوفيّ صافي القلب من ... كلّ غشّ فاذا قال فعل

رفع الكلّ عن الكلّ ومن ... كلّ في الدنيا تحامى كلّ كل

ذلّ لله فعزّت نفسه ... كلّ من عزّ بغير الله ذل

فهو إن يعل فبالله علا ... وهو إن ينزل فبالحقّ نزل

كسر النفس فصحّت واتّقى ... زخرف الدنيا وخيلا وخول

بذل الروح ولولا عزّ ما ... رام ما هان عليه ما بذل

عرف المربوب بالربّ فلم ... يخش إلا ربّه عزّ وجل

ليتني في جسم هذا شعرة ... صغرت أو طعنة فيما انتعل

بل مرامي لحظة أو لفظة ... من وليّ الله من قبل الأجل

هؤلاء القوم يا قوم مضوا ... ما تبقى منهم إلا الأقل

فالى الله تعالى أشتكي ... ما بقلبي من فتور وخبل

لو تثبّتّ أتى رزقي على ... رغمه لكن خلقنا من عجل [١]

كم رياء كم مراء كم خطا ... كم عدوّ كم حسود لا يمل

ليس يخلو المرء عن ضد ولو ... حاول العزلة في رأس جبل

لا أرى الدنيا وإن طابت لمن ... ذاقها إلا كسمّ في عسل [٢]

أين كسرى وهرقل أين من ... ملك الأرض وولّى وعزل

أين من شادوا وسادوا وبنوا ... هلك الكلّ ولم تغن القلل

لو سألت الأرض عنهم أنشدت ... أصبح الملعب قفرا والطّلل

قال الحاكي: فما زادني ما سمعت من فيه إلا إعظاما له وحبّا فيه، فازداد تألما، وأنشد مترنما:/ [مخلع البسيط]

يا صاح حقّ لك التحوّف ... وقلّة السعي والتخوّف

لا تقربن بعدها رباطا ... قد خرّقت خرقة التصوف

قلت: هيهات هيهات، هذا المحو عين الإثبات، وقد كانت الصوفية أحبّ الخلق إلى الرحمن، والأصل بقاء ما كان، على ما كان، وللعارف هضم نفسه، مخافة طرده وعكسه.


[١] تضمين للآية الكريمة: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ
الأنبياء ٣٧.
[٢] في نسخة ب: وإن طالت لمن.

<<  <   >  >>