للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهواه، وأورده مشاهد رضاه وتقواه، صار كما قالت: «زوجي إن أكل من ثمرات شكره لفّ، وإن شرب من كأس سكره اشتفّ، وإن اضطجع على فراش المؤانسة التفّ، بالحياء والأدب احتفّ، ولا يدخل في جيب نفسه كف الترخص في المعاملات، ليعلم ما عندها من البثّ على فوات الشهوات» [١] .

السابعة: النفس السوّالة، ذات الدسائس القتّالة، تزخرف المهالك الفواتك، بحلى الفضائل والمناسك، فتسقي نديمها السمّ في العسل، كما سوّلت للسامري [٢] فعله الذي فعل، هي مستدرجة بعلوم النظر، محجوبة عن المؤثر بالأثر، محبوسة السمع والبصر، في سجن القياس والفكر، لا دواء لدائها العياياء، إلا إذلالها بين معظميها من البرايا، وتنقيصها وإن أتت بكل المزايا، فاذا تحلّى صاحبها بحلى المستضعفين حتى كسر قواها، وطبق بقدم الصدق على منافس هواها، ورأى به جميع الأدواء من معايبها وبلاها، فأوسع بذلك تبكيتها وجفاها، وشجّ رأس رياستها بالذل والخمول، وفك مواسك إفكها بالردّ وعدم القبول، تململت منه تململ الملوك في البلوى،/ وقالت في مجالس النجوى، بلسان الخضوع والشكوى: «زوجي عياياء [٣] بداء العضال، طباقاء عليّ بكلكل أدواء الأعمال، وكل داء له دواء، فهو يتعاطى أنواع الدواء، ومتى أبيت الشراب، أو سئمت الحمية كعادة المصاب، شجك أو فلّك أو جمع كلالك» .

الثامنة: نفس زاكية بمكنة تقواها، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها

[٤] ، قد أشرقت شمس حقيقتها الفعلية، فغدا نور فاعلها ضحاها، وتلألأ قمر قبولها الفطري، فتمّت كلمتها بظهور معناها، وهجم نهار توحيدها على ظلم صور الأسباب فجلاها، وسكنت إلى الله تعالى بخمود حركات الحظوظ، فلم تزل آمنات الإيجاد بمحو المنازعة تغشاها، وصاحب هذه ملهم البصيرة، طاهر الظاهر والسريرة، رفع عن المصور حجاب الصورة، فشهد الله في كل مشهد مولاه ونصيره،/ قد أنعم بالتفويض والسكينة خشونة الطباع والأخلاق، وامتزج مزاجه بنفحات الرحمة، فطابت بأنفاس معارفه وعوارفه جميع الآفات، فلو مسست بيد التأييد ديباجة وسمه الوسيم، وتنشقت نسمات أوراده وداراته، بادراك


[١] في بلوغ الأرب ٢/٣٩: تقول السادسة: (زوجي إن أكل لفّ، وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ، ولا يولج الكف، ليعلم البث) .
[٢] السامري: أحد بني إسرائيل، من قبيلة السامرة، أضل قومه في غياب موسى، صنع العجل وعبده، ودعا قومه إلى عبادته، برغم تحذير هارون لهم، وجاء ذكره في القرآن الكريم: فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ
(سورة طه ٨٨، وانظر تفسير ابن كثير ٤/٥٣٤) .
[٣] في بلوغ الأرب ٢/٤٠، قالت السابعة: (زوجي غياياء طباقاء، كل داء له دواء، شجّك أو فلّك، أو جمع كلا لك) . الغياياء الطباقاء: الأحمق الذي ينطبق عليه أمره.
[٤] سورة الشمس ٩.

<<  <   >  >>