للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القلب السليم، لوجدته كما قالت حليلة وجهه الفهيم: «زوجي المسّ مسّ أرنب، والريح ريح زرنب» [١] .

التاسعة: نفس ذاكرة، بلسان شهود المسمّى في معرفة أسمائه الشريفة، ولم تترك مكنة التجلي تنادي صاحبها في كل لطيفة، وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً

[٢] ، فهي من بيوت، أذن الله أن ترفع عن ملابسة الحوادث، ويذكر فيها اسمه، من غير ثان ولا ثالث، ونفس حررت ميزان خوفها ورجاها، وجاوزت الأطراف، ففازت من الوسيطة بمنتهاها، شهدت معناها فرامت بلوغ مناها، وعلمت أن لا حول ولا قوة إلا بمولاها، فخرجت عن تحيل حولها وقواها، وخشعت حوادث نواهيها، فوعت كلام مناجيها، وحميت من هواها، كما حفظت من مهاويها، فنشقت أنفاس الرحمة من جميع نواحيها، وصاحب هذه هو الذاكر على الحقيقة والعيان، المحفوظ من الغفلة والنسيان، الموهوب أفضل ما يعطى السائلون من الأماني والأمان، ظاهره بالجلال في الشرع مضبوط، وباطنه بالجمال في الجمع مبسوط، ثبت أصل شجرته، وطال فرع سدرته، كلما هزت فكرته بيد الرياضة جذع عبرته،/ تساقط من روض الرضا جني ثمرته، واستغرقته لذة ذوقه عن زهارة زهر حضرته، ولم يدع له استقبال قبلة القبول أربا دون محبوبه يرتضيه، ولا طلبا غيره يفرح بتقاضيه، فلا صدق توجهه التوحيدي في كل مقام بلسان الدهش والاصطلام، تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ

[٣] ، فمتى سئلت حليلته عن نعته قالت بلسان حفظ كمال وقته [٤] : «زوجي رفيع عماد التوحيد والعلل، طويل نجاد الهمّة المقدسة عن الملل، عظيم رماد الأحشاء المحترقة بالشوق لمن بين يديه لم يزل، قريب بيت الفتوة من النادي، سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ

» [٥] ./

العاشرة: هي نفس مملوكة بأصل الوضع، ذات المكنة في عوالم السمع، هي التي اصطنعت للنفس العلمية، وصنعت على عينها الحكمية، تولدت عن قوة التلقي والإلهام، وعلى صورة ما تجلّى به عليها ذو الجلال والإكرام، فلما شبّت على صورة الأصل، قيل لقوامها من خلف حجاب الوصل، لا تخف نجوت من الفصل، ولما دعيت لكشف القناع من حضرة السماع، فدس من خشاش الشواغل واديها، وخلع قدم صدقها نعل


[١] بلوغ الأرب ٢/٤٠، وصفته بأنه لين الجسد ناعمه، والأرنب دويبة لينة المس ناعمة الوبر جدا، والزرنب بوزن الأرنب، وهو نبت طيب الريح.
[٢] الأعراف ٥٠٢.
[٣] الرحمن ٧٨.
[٤] في بلوغ الأرب ٢/٤١: قالت التاسعة وهي كبشة: «زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد، لا يشبع ليلة يضاف، ولا ينام ليلة يخاف» .
[٥] من سورة الحج ٢٥، وتمام الآية: وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ.

<<  <   >  >>