للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكيف والأين عند طروق ناديها، تنزيها وإجلالا، لمقعد صدق مناجيها، وسترت ببرقع الصعق والدك وجوه الغيرية وناديها، فقال لها: قد بلغت المنى، إني أنا، وقيل لصاحبها إني اصطفيتك، فخذ ما أتيتك، حين جاهد في الله حقّ جهاده، بخروجه لمراد الله عن مراده، وأناله الله منالا فوق الأمل، وأقامه مقاما لا يبلغ بالعمل،/ فكلّ أيامه طيب وطرب، وسائر لياليه قرب وقرب، وجميع أحواله دنوّ وأدب، متى طلب منه شكران شهوده القدسي، قال بلسان التجريد عن العالم الحسي: رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي

[١] ، فهو في عجزه معروف بالقوة الباهرة، وفي فقره موصوف باسباغ النعم الباطنة والظاهرة، كما قالت العاشرة: «زوجي مالك الروحانيات، فما مالك الجسمانيات، من هو مالك للملكات الفواتك، هو خير من ذلك، له إبل ملاحظات تحمل المنقطعين إلى مراتب، ما كان لهم أن يبلغوها ألا بشقّ النفوس، قليلات المسارح في العالم المحسوس، كثيرات المبارك من البصائر النافذة بها إلى الملك القدوس، إذا سمعن صوت مزهر أبي أنا قد اقترب، أيقن أنهن هوالك من الطرب» [٢] .

الحادية عشرة [٣] : النفس العلمية أم زرع الكمالات، وكتاب التفصيل والإجمالات، صحيفة المعاني اللاهوتية، المحمولة على عروش الناسوتية،/ وهي التي تعرّت جلابيب النسب والإضافات، وألبسته خلع أسرار الصفات العلميات، وكشف دونها حجاب حضرة الذات، فتحجبت بنور عزة الوحدة، عن غواشي أعين الشتات، وصاحب هذه في كل زمان، واحد الأعيان، وروح الأكوان، وميسر البيان، عن علم الرحمن، هو الفؤاد الذي رأي ما لا يرى، ليس في ذلك شك ولا مرى، المضروب في الإنجيل مثل ذرية الروحانيين في عالم الطباع، كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ

[٤] ، وهذه النفس لا تألف غيره، ولا تعرف سواه، ولا تعشق على كل حال إلا إياه، فهو ريحانة روحها، وحبّة قلبها، وقرّة عينها، ومنبت لبّها، والممنوح منها يصدق حبها، في حين بعدها، وحال قربها، متى استوصفه منها عقل سليم،/ قالت بلسان الخلق العظيم: «زوجي أبو زرع، حبة حبات القلوب، فما أبو زرع إلا


[١] المائدة ٢٥، وتمام الآية: قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي.
[٢] في بلوغ الأرب ٢/٤٢: قالت العاشرة وهي حبى بنت كعب: (زوجي مالك وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، وإذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك) .
[٣] في بلوغ الأرب ٢/٤٣: قالت الحادية عشر وهي عاتكة: (زوجي أبو زرع، فما أبو زرع؟ أناس من حلّي أذنيّ، وملأ من شحم عضدي، وبجحني فبجحت إليّ نفسي، ووجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنق، فعنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقنّضح،، أم أبي زرع، فما أم أبي زرع ... ) .
[٤] الفتح ٢٩.

<<  <   >  >>