للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمستفيض في عرصات الأدب: (أنجز حرّ ما وعد) [١] ، ووفى بما عهد، أدرك الأسد/ قبل أن يلتقي على الفريسة لحياه، ولا يعجبك من عدوّ حسن محياه، وأنشد: [الخفيف]

لا تخدشن وجه الحديث فانّا ... قد كشفناه قبل كشفك عنه

واطلعنا عليه والمتولي ... قطع أذن العيار أعير منه [٢]

ثم قال اللص: ألم يزعم القاضي أنه كتب الحديث زمانا، ولقي منه من الشيوخ كهولا وشبانا، حتى فاز ببكره وعونه، وحاز منه فقر متونه وعيونه [٣] . قال القاضي:

أجل. قال اللص: فأي شيء كتبت في هذا المثل، الذي ضرب لك فيه المثل، وأعملت لك فيه الحيل؟ فقال القاضي: ما يحضرني في هذا المقام الحرج الالتزام، المؤذن صاحبه بالإرغام، حديث أسنده، ولا خبر أورده، فقد قطعت هيبتك كلامي، وصدعت قبضتك عظامي، فلساني كليل، وجناني عليل، وخاطري نافر، ولبي طائر.

قال اللص: فليسكن لبّك، وليطمئن قلبك، اسمع هذا ويكون بثيابك، حتى لا تذهب ثيابك إلا بالفوائد. قال القاضي: هات. قال/ اللص: حدثني أبي عن جدي ثابت البناني [٤] عن أنس بن مالك، قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (يمين المكره لا تلزمه، فان حلف وحنث فلا شيء عليه) ، وأنت إن حلفت حلفت مكرها، وإن حنثت فلا شيء عليك، انزع الثياب.

قال القاضي: يا هذا أعييتني بمضاء جنانك، وذرابة لسانك، وأخذك عليّ الحجج من كل وجه وجانب، بألفاظ كأنها لسع العقارب، أقم ههنا حتى أمضي إلى البستان، فأتوارى بالجدران، وأدفعها إلى صبي غير بالغ، تأمن مكره، تنتفع أنت بها، ولا أنهتك أنا، ولا يجري على الصبي حكومة لصغر سنه، وضعف متنه.

قال اللص: يا إنسان، قد أطلت المناظرة، وأكثرت المحاورة، ونحن على طريق ذي غرر [٥] ، ومكان صعب وعر، وهذه المراوغة لا تنتج لك نفعا، ولا تستطيع لما أرومه منك دفعا، ومع هذا فتزعم أنك من أهل العلم والرواية، والفهم/ والدراية، وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم، أنه قال: (الشريعة شريعتي، والسنة سنتي، فمن ابتدع في شريعتي وسنتي


[١] المثل في مجمع الأمثال للميداني ٢/٣٣٢، والمستقصى في الأمثال ١/٣٨٤، وفصل المقال ص ٨٥.
[٢] العيار: جمع العير، وهو حمار الوحش.
[٣] قوله: (وحاز منه فقر متونه وعيونه) ، ساقطة من نسخة ب، ل.
[٤] ثابت البناني: ثابت بن أسلم البصري، روى عن أنس وابن الزبير وابن عمر، وغيرهم، له نحو مئتين وخمسين حديثا، وهو ثقة، توفي سنة ١٢٧ هـ. (تهذيب التهذيب ٢/٤٢) .
[٥] الغرر: الخطر، والتعريض للهلكة.

<<  <   >  >>