للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فعليه لعنة الله) [١] .

قال القاضي: يا رجل، وما ههنا من البدع؟ قال اللص: اللصوصية بنسيئة بدعة، انزع ثيابك، فقد رأيت لك، وأرخيت طولك، وأوسعت مجالك، ولم أشد عقالك، حياء من حسن عبارتك، وقوة بلاغتك، وتقلبك في المناظرة، وصبرك تحت المخاطرة.

فنزع القاضي ثيابه، ودفعها إليه، وبقي في السراويل. فقال اللص: انزع السراويل كي تتم الخلعة. قال القاضي: يا هذا دع عنك هذا الاغتنام، وامض بسلام، ففي ما أخذت كفاية، ودع هذا السراويل [٢] ، فانه لي ستر ووقاية، لا سيما وهذه صلاة الفجر قد أزف حضورها، وقرب وقوعها، وأخاف أن تفوتني، فأصليها في غير وقتها، وقد تعمدت تركها رجاء أن أفوز بها في مكان يحطّ فيه وزري، ويضاعف فيه أجري، ومتى منعتني/ من ذلك، كنت كما قال الشاعر: [الكامل]

إنّ الغراب وكان يمشي مشية ... فيما مضى من سالف الأحوال [٣]

حسد القطاة فرام يمشي مشيها ... فأصابه ضرب من العقّال

فأضلّ مشيته وأخطأ مشيها ... فلذاك كنّوه أبا المرقال

فقال اللص: القاضي أيده الله [٤] يرجع إلى خلعة غيرها، أحسن منها منظرا، وأجود خطرا، وأنا لا أملك سواها، ومتى لم تكن السراويل في جملتها، ذهب حسنها، وقلّ ثمنها، ولا سيما والتكة مليحة وسيمة، ولها مقدار وقيمة، فدع عنك ضرب الأمثال، واقلع عن ترداد المقال، فاني لست ممن يلهى بالمحال، ما دامت الحاجة ماسة إلى السراويل، ثم أنشأ يقول [٥] : [الرجز]

دع عنك ضربك سائر الأمثال ... ولتسمعن إن شئت فضل مقال

لا تطلبن مني الخلاص فانّني ... أفتي أذا ما جئتني بسؤال

ولأنت إن أبصرتني أبصرت ذا ... قول وعلم كامل وفعال

جارت عليه يد الليالي فانثنى ... يبغي المعاش بصارم قصّال

فالموت في ضنك المواقف دون أن ... ألقى الرجال بذلّة التسآل


[١] الدارمي، المقدمة ص ٢٣.
[٢] السراويل: لباس يذكر ويؤنث، جمعه سراويلات.
[٣] كلمة (يمشي) ساقطة من نسخة ع، في ش: من سائر الأحوال.
[٤] في ش: أيده الله تعالى.
[٥] في ش: يقول الشاعر.

<<  <   >  >>