للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعلم ليس بنافع أربابه ... أو لا فقوّمه على البقّال

ثم قال: ألم يذكر القاضي أنه يتفقّه في الدين، ويتصرّف في فتاوى المسلمين؟ قال القاضي: أجل، قال اللص: فمن صاحبك من أئمة الفقهاء، وصدور العلماء؟ قال القاضي: صاحبني محمد بن إدريس الشافعي، قال اللص: اسمع هذا ويكون بالسراويل، حتى لا يذهب السراويل بالفوائد، قال القاضي: أجل، قال اللص: يا لها من نادرة، ما أغربها، وحكاية ما أعجبها أن يخفى عنك مثل هذا المقدار، وأنت تعتزي إلى الفقهاء والنظّار، إنما أنت محنة على الإسلام، ومعرّة على الحكام، ثم قال: أي شيء قال صاحبك في صلاة الفجر وغيرها وأنت عريان [١] ، قال القاضي: لا أدري.

قال اللص: حدثني أبي عن جدي عن محمد بن إدريس الشافعي، يرفعه باسناده عن النبي صلّى الله عليه وسلم، قال:/ (صلاة العريان جائزة ولا إعادة عليه) [٢] ، وتأول في غرقى البحر إذا أعطبوا، وسلموا إلى الساحل. فنزع القاضي السراويل، وقال: خذه، فأنت أشبه بالقضاء [٣] مني وأنا أشبه باللصوصية منك، يا من درس على أخذ ثيابي موطأ مالك، وكتاب المزني، ومد يده ليدفعه إليه، فرأى الخاتم في أصبعه اليمنى، فقال: انزع الخاتم، فقال: إن هذا اليوم ما رأيت أنحس [٤] منه صباحا، ولا أقلّ نجاحا، إذ رماني بهذا الأمر المنكر، وقصدني بأمر حبوكر [٥] ، ويحك ما أشرهك، وأرغبك وأشد طلبك وكلبك، دع هذا الخاتم، فانه عارية معي، وإنما خرجت ونسيته في إصبعي، ولا تلزمني غرامته أكثر من قيمته.

فقال اللص: يزعم القاضي أنه شافعي المذهب، وهو فيه طويل الباع والمنكب، قال:

نعم، قال اللص: فلم تختمت به في اليمين؟ قال القاضي: هو مذهبنا، قال اللص:

صدقت، إلا أنه صار التختم في اليمين من شعار المضادين، فحصل فرق بين/ المخالف والموالف، قال القاضي: ومع هذا فاني أعتقد ولاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وتفضيله على كل المسلمين، من غير طعن على السلف الراشدين، ولا عدول [٦] عن السنة والدين، وهذا حلية اعتقادي، وعلى مذهب الشافعي في الحكومة اعتمادي، وعليه سائر أهل بلادي.


[١] (وأنت) سقطت من نسخة ب.
[٢] المدونة الكبرى ١/٩٥.
[٣] في ب: أشبه بالقاضي مني.
[٤] كلمة (أنحس) ساقطة من الأصل، ب، ل..
[٥] الحبوكر: كغضنفر، رمل يضل فيه السالك، والداهية. (القاموس المحيط: حبكر)
[٦] في ش: ولا عدوان.

<<  <   >  >>