للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رضي الله عنه إليه، ودعاء الناس إلى إتباعه من بعده، فاذا كانت بيعة أبي بكر باطلة، وجب أن يكون عهده إلى عمر كذلك، ووجب أن تكون بيعة عمر باطلة، ووجب أن يقول له الناس من الصحابة والقرابة والأنصار، فأنت أيضا ممن يجب قتلك، ولا يجب العمل على عهدك في الشورى، والمعنى في هذا القول، أن عمر رضي الله عنه كان يعتقد أن أبا بكر كان أفضل الأمة، وإن كان يستحق أخذ [١] الخلافة بالحجة والمناظرة، وإن من بعده يتفاوتون في الرتبة، ولا يستحقون على ذلك الوجه، وقوله: (كانت فلتة) ، أي تمت على غير إعمال فكر وروية، واستوسعت فجأة،/ وقوله: (وقى الله شرها) أي شر الخلاف عليها، وشق العصا عند تمامها، وقوله: (من عاد إلى مثلها فاقتلوه) ، إنما أراد إلى مثل قول الأنصار: (منا أمير ومنكم أمير) ، وإرادة إخراج الأمر من قريش إلى غيرهم، وهذان الأمران حرام فعلهما في الدين، وفتنة بين المسلمين.

قال القاضي: فاذا كنت قد فضلت أبا بكر على عليّ، فقد غضضت من عليّ، قال اللص: من قصد إلى ذلك فهو ضال، غير مرشد ولا موفق مسدد، ولو كان ما تذهب إليه وتظنه وتكنّه [٢] ، لكان من فضّل عليا على فاطمة والحسن والحسين، فقد غضّ منهم، وعدل بالفضل عنهم، وهذا ما لا يقوله مسلم، ولا يعتقده مؤمن، فان النبي صلّى الله عليه وسلم قال، وقد حمل الحسن والحسين على عاتقه: (نعم المطي مطيكما، ونعم الراكبان أنتما، وأبو كما خير منكما) [٣] ، ولم يرد بذلك غضّا ولا عدولا بالفضل عنهما،/ ولكن تحرّى في ذلك الصدق، وقصد في كلامه الحق.

قال القاضي: فان النبي صلّى الله عليه وسلم حمل عليا [٤] يوم وقع الأصنام، فأظهر الله الإسلام، قال اللص: هذه فضيلة لعليّ غير مجحودة ولا مردودة، ولكنه قد حمل عائشة وهي صغيرة، وحمل أمامة [٥] بنت العاصي بن الربيع على كتفه، وهذا في الرواية مأثور، عن ثقات أهل الحديث مشهور.

قال القاضي: فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم: (أنا من عليّ وعليّ مني) [٦] ، قال اللص: هذا ما


[١] في ش: يستحق الخلافة.
[٢] في ش: وتظنه وتضمره في نفسك وتكنه.
[٣] في تهذيب تاريخ ابن عساكر ٤/٢٠٧ جاء عن جابر قوله: (دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وهو حامل الحسن والحسين على ظهره، وهو يمشي بهما، فقلت: نعم الجمل جملكما، فقال: نعم الراكبان هما) ، أما الجزء الأخير من الحديث فقد ورد في موضع آخر، هو قوله صلّى الله عليه وسلم: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما) . (تهذيب تاريخ ابن عساكر ٧/٣٦٥) .
[٤] في ب: حمل علينا. وهو تحريف.
[٥] في ب، ل: وحمل بنت العاصي. بحذف (أمامة) .
[٦] شرح صحيح البخاري ٨/٢٧.

<<  <   >  >>