للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم [١] ،/قال اللص: لعمرك لقد قال هذا في ملأ من المهاجرين والأنصار، إلا أنه ليس على وجه الأرض ذو عقل فاصل، ولا لبّ حاصل، يرى أن أبا بكر رضي الله عنه كان مجنونا، ولا مغيرا مأفونا، ولو كان على مثل هذه الحال، لما خفي أمره على الصحابة والقرابة، ولا تركوا بأسرهم دفعه عن الخلافة [٢] بالاحتجاج أنه مجنون، يحتاج إلى علاج، دون إمامة الأمة وخلافة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وهذا جهل ممن بلغ إليه، وتكلم عليه، وإنما قال ذلك كقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (ما من أحد إلا وله شيطان) ، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم) [٣] ، وإنما قال ذلك أبو بكر، ليتوقوا وقت غضبه، قال القاضي: أليس هو القائل: وليتكم ولست بخيركم؟ [٤] قال اللص: في هذا وجوه، منها أنه قال ذلك محتجا على الأنصار، لأنه قد وليهم بالصلاة، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم حاضر، ولعمري أنه لا يجوز أن يكون/ خير قوم أحدهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فكأنه قال: لا أليكم مع عدمه، وقد وليتكم في وجوده، ولست بخيركم، ومنها أنه أراد: ولست بخيركم قبيلة، لأن بني هاشم أعلى منه في ذروة النسب، وأقعد في الصيت والمذهب، يدلهم بهذا على أن هذا الأمر لا يستحقّ بعلو النسب، ولا هو مقصور على بني هاشم دون غيرهم من قريش، لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم:

(الأئمة من قريش) [٥] .

قال القاضي: كيف تحقق هذا الأمر، وهو يقول: أقيلوني، أقيلوني. قال اللص:

قد قال ذلك لما في إقامة الأمر من تحمل [٦] ثقل الإمامة، وذلك لفضله وعقله وورعه وخشيته وثخانة ديانته، لا لما يقعده عن ذلك، ولا ينبغي لفاضل عرضت عليه، أن يظهر المسارعة إليها والوثوب عليها، فان ذلك يلقيه في الظّنّة، ويورطه في التهمة.

قال القاضي: كيف تثبتون له هذا الأمر، وعمر بن الخطاب يقول على المنبر، فسمعه الأسود والأحمر: «ألا إن بيعة أبي بكر [٧] كانت فلتة/ وقى الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه» . قال اللص: مهما شككنا في شيء، فانّا وإياكم لا نشك أن عمر رضي الله عنه، كان عاقلا، ولم يكن مجنونا مختلطا، وهذا الكلام إن حمل على ما قلتم، صار في حكم الجنون من قائله، لأن عمر يحتاج في إثبات إمامته، والدعاء إلى خلافته لعقد عهد أبي بكر


[١] في ش: أشعاركم وآثاركم.
[٢] في ب، ل: على الخلافة.
[٣] مسند أحمد بن حنبل ٤/٨٥، ٨٦، ٢٨٨، ٥/٥٤، ٥٦.
[٤] الاحتجاج للطبرسي ٢/١٥٢.
[٥] مسند أحمد ٤/١٢٩، ١٨٣، ٤/٤٢١.
[٦] في ش: من ثقل الإمامة. بدون (تحمل) .
[٧] قوله: (أبي بكر) ساقطة من ب. في ل: بيعة أبا بكر.

<<  <   >  >>