للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واليوم الذي أمر الناس بصيامه كان يوماً واحداً فإنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة في شهر ربيع الأول، فلما كان في العام القابل، صام يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، ثم فرض شهر رمضان ذلك العام فنسخ صوم عاشوراء - أي وجوبه -.

وقد تنازع العلماء: هل كان صوم ذلك اليوم واجباً، أو مستحباً؟ على قولين مشهورين، أصحهما: أنه كان واجباً، ثم إنه بعد ذلك كان يصومه من يصومه استحباباً، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم العامة بصيامه، بل كان يقول: ((هذا يوم عاشوراء، وأنا صائم فيه، فمن شاء صام)) متفق عليه (١) .

وقال عليه الصلاة والسلام: ((صوم يوم عاشوراء يكفر سنة، وصوم يوم عرفة يكفر سنتين)) .

ولما كان آخر عمره صلى الله عليه وسلم وبلغه أن اليهود يتخذونه عيداً قال: ((لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع)) (٢) ؛ ليخالف اليهود ولا يشابههم في اتخاذه عيداً.

وكان من الصحابة والعلماء من لا يصومه، ولا يستحب صومه، بل يكره إفراده بالصوم، كما نقل ذلك عن طائفة من العلماء، ومن العلماء من يستحب صومه.

والصحيح أنه يستحب لمن صامه، أن يصوم معه التاسع؛ لأن هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: ((لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع)) .

فهذا الذي سنَّهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما سائر الأمور: مثل اتخاذ طعام خارج عن العادة إما حبوب وإما غير حبوب، أو تجديد لباس، أو توسيع نفقة، أو اشتراء حوائج العام ذلك اليوم، أو فعل عبادة مختصة كصلاة مختصة به. أو قصد الذبح، أو ادخار لحوم الأضاحي ليطبخ بها الحبوب، أو الاكتحال، أو الاختضاب، أو الاغتسال، أو التصافح، أو التزاور، أو زيارة المساجد والمشاهد، ونحو ذلك. فهذه من البدع المنكرة التي لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون، ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين المشهورين (٣) .


(١) - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (٤/٢٤٤) كتاب الصوم، حديث رقم (٢٠٠٣) ، ورواه مسلم في صحيحه (٢/٧٩٥) كتاب الصيام، حديث رقم (١١٢٩) .
(٢) - رواه الإمام أحمد في مسنده (١/ ٢٣٦) . ورواه مسلم في صحيحه (٢/٧٩٧، ٧٩٨) كتاب الصيام، حديث رقم (١١٣٤) . ورواه أبو داود في سننه (٢/٨١٨، ٨١٩) كتاب الصوم، حديث رقم (٢٤٤٥) . ورواه ابن ماجه في سننه (١/٥٥٢) كتاب الصيام، حديث (١٧٣٦) .
(٣) - أمثال: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، والثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه من أئمة المسلمين وعلمائهم. يراجع: مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٢٥/٣١٢) .

<<  <   >  >>