للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أبدلكم بهما)) تعويضاً باليومين المبدلين.

وأيضاً فإن ذينك اليومين الجاهليين قد ماتا في الإسلام، فلم يبق لهما أثر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عهد خلفائه، ولو لم يكن قد نهى الناس عن اللعب فيهما، ونحوه مما كانوا يفعلونه لكانوا بقوا على العادة؛ إذ العادات لا تتغير إلا بمغير يزيلها ولاسيما طباع النساء والصبيان، ونفوس كثير من الناس متشوقة إلى اليوم الذي يتخذونه عيداً للبطالة واللعب، ولهذا قد يعجز كثير من الملوك والرؤساء عن نقل الناس من عاداتهم في أعيادهم، لقوة مقتضيها من نفوسهم، وتوفر همم الجماهير على اتخاذها، فلولا قوة المانع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانت باقية، ولو على وجه ضعيف، فعلم أن المانع القوي منه كان ثابتاً، وكل ما منع منه النبي صلى الله عليه وسلم منعاً قوياً كان محرماً؛ إذا لا يعنى بالمحرم إلا هذا.

وهذا أمر بيِّن لا شُبهة فيه، فإن مثل ذينك العيدين، لو عاد الناس إليهما بنوع مما كان يفعل فيهما - إن رخص فيه - كان مراغمة بينه وبين ما نهى عنه، فهو المطلوب.

والمحذور في أعياد أهل الكتابين التي نقرهم عليها، أشد من المحذور في أعياد الجاهلية التي لا نقرهم عليها، فإنَّ الأئمة قد حذَّروا مشابهة اليهود والنصارى، وأخبروا أن سيفعل قوم منهم هذا المحذور بخلاف دين الجاهلية، فإنه لا يعود إلا في آخر الدهر، عند اخترام (١) أنفس المؤمنين عموماً، ولو لم يكن أشد منه، فإنه مثله على ما لا يخفى؛ إذا الشر الذي له فاعل موجود، يخاف على الناس منه أكثر من شر لا مقتضى له قوي (٢) .

ما رواه ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:


(١) - اخترم فلان عنا: مات وذهب، واخترمته المنية: أخذته، واخترمهم الدهر: استأصلهم. يُراجع: لسان العرب (١٢/ ١٧٢) مادة (خرم) .
(٢) - ويُراجع: اقتضاء الصراط المستقيم (١/٤٣٢- ٤٣٥) .

<<  <   >  >>