للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلحاقهم بما لا يستحقونه، فيزعم بعض الناس أنه لا ولي لله أعظم من فلان، وربما أغلقوا باب الولاية دون سائر الأمة إلا هذا المذكور، وهذا باطل محض، وبدعة فاحشة؛ لأنَّهُ لا يمكن أن يبلغ المتأخرون أبداً مبالغ المتقدمين، فخير القرون الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به، ثم الذين يلونهم، وهكذا يكون الأمر أبداً إلى قيام الساعة، فأقوى ما كان أهل الإسلام في دينهم وأعمالهم ويقينهم وأحوالهم في أول الإسلام، ثم لا زال ينقص شيئاً فشيئاً إلى آخر الدنيا، لكن لا يذهب الحق جملة، بل لابد من طائفة تقوم به وتعتقده، وتعمل بمقتضاه على حسبهم في إيمانهم لا ما كان عليه الأولون من كل وجه؛ لأنه لو أنفق أحد المتأخرين وزن أُحُد (١) ذهباً ما بلغ مدّ أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نصيفه، وإذا كان كذلك في المال فكذلك في سائر شُعب الإيمان.

ومن الناس من يزعم أن فلاناً من الناس مساوٍ للنبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لا يأتيه الوحي ومن هؤلاء الشيعة الإمامية (٢)

. ولولا الغلو في الدين والتكالب على نصر المذهب، والتهالك في محبة المبتدع، لما وسع ذلك عقل أحد، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع ... )) (٣) الحديث. فهؤلاء غلوا كما غلت النصارى


(١) - اسم الجبل الذي وقعت عنده غزوة أحد المشهور سنة ٣هـ، وهو جبل أجمر، وبينه وبين المدينة قرابة ميل في شماليها. يراجع: معجم البلدان (١/١٠٩) .
(٢) - هم القائلون باتباع الاثنى عشر إماماً، ويدخل في عمومهم أكثر مذاهب الشيعة في العالم الإسلامي، ويقولون إن الإمامة ثبتت لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بالنص، وكذلك نص علي على الحسن، والحسن على الحسين، وهكذا ... كل إمام ينص على من بعده، وتفرقوا إلى حوالي أربع وعشرين فرقة، والإمامة عندهم ركن من أركان الإسلام وهي منصب إلهي كاختيار الله سبحانه للرسالة من يشاء من عباده، ويعتقدون أن الإمام معصوم عن الخطأ والنسيان والمعاصي في الظاهر والباطن، ويجوزون أن تجري خوارق العادات على يد الإمام، وأن الإمام أحاط علماً بكل شيء، ويزعمون أنه أكثر الصحابة ضلُّوا بتركهم الاقتداء بعد النبي صلى الله عليه وسلم فهم كفار وبعض فرقهم تعتقد ألوهية علي - رضي الله عنه -، وأنه يسكن السحاب، وأن الرعد صوته، فإذا سمعوا الرعد قالوا: عليك السلام يا أمير المؤمنين. وبعض فرقهم خرجت عن الإسلام كالسبأية والبنانية والحطابية وغيرهم.
يُراجع: اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص (٥٢- ٦٦) ، والفرق بين الفِرق ص (٣٨- ٥٤) ، والملل والنحل للشهرستاني ص (١٦٢-١٧٣) .
(٣) - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (١٣/٣٠٠) كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، حديث (٧٣٢) . ورواه مسلم في صحيحه المطبوع مع شرح النووي (١٦/٢١٩) كتاب العلم واللفظ له. .

<<  <   >  >>