للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أعينهم عن صاحب دعوة جابه بها قومه وحيداً بادئ الأمر، ثمّ في قلّة من أتباعه، متحملين صنوف الأذى والتعذيب والحصار والتقتيل، مهاجرين بدينهم بعيداً عن ديارهم وأموالهم.

فهل يصبر أحد على هذا ثلاثاً وعشرين سنةً وهو متشكك فيما يدعو إليه؟!

وهل يبني الشاكُّ دولة، ويكونُ له أتباعٌ يتجاوز عددهم اليوم ألفاً وخمسمائة مليون؟!

وهل يُخرِّجُ الشاكُّ ملايينَ الأتباع المتيقنين من دينهم، الثابتين على دعوتهم، الباذلين حيالها الأرواح والأموال والأعمار؟!

إنّ من يقول هذا كمن يريد لنا أن نقتنع أنّ أبلَهَ خرَّج عشراتِ المفكرين، ومتطبباً تتلمذ على يديه مئاتُ الجرّاحين البارعين!

وقبل هذا وذاك؛ فإنّ سبب ورود الحديث يوضح المقصود ويُزيل اللبس. يقول ابن قتيبة الدينوري (١): «فأمّا قوله: (أنا أحق بالشك من أبي إبراهيم - عليه السلام -)، فإنّه لمّا نزل عليه: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (٢) قال قومٌ سمعوا الآية: شكَّ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، ولم يشك نبينا - صلى الله عليه وسلم -.

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنا أحق بالشك من أبي إبراهيم - عليه السلام -) تواضعاً منه، وتقديماً لإبراهيم على نفسه. يُريد: أَنَّا لم نَشُكّ، ونحن دُونَهُ، فكيف يَشُكُّ هُوَ؟» (٣).

رابعاً: استغلال جهالة المتحدثين على الشبكة؛ جهالة حال وجهالة عين، لأجل التأثير على المدعوين.

ومن ذلك إظهار من يتحدث بصوته -من الجنسين- ليخبر بأنَّه كان على دين الإسلام


(١) هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري. من أئمة الأدب، ومن المصنفين المكثرين. توفي ببغداد سنة ٦٧٢هـ، وله: تأويل مختلف الحديث- أدب الكاتب- المعارف- عيون الأخبار- الشعر والشعراء- مشكل القرآن، وغيرها. انظر: الأعلام، الزركلي ٤/ ١٣٧.
(٢) سورة البقرة، من الآية ٢٦٠.
(٣) انظر: تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة، ص١١٠.

<<  <   >  >>