للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمّا رواية أنّ سورة الأحزاب كانت توازي سورة البقرة؛ فرواية باطلة، لا تصح عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - (١)، إذ لو صحت لاشتهرت عنه وثبتت. ويدل على بطلانها «أنّه لا يجوز أن يضيع ويسقط من سورة الأحزاب أضعاف ما بقي منها، فيذهب ذكر ذلك وحفظه عن سائر الأمة سوى أبي بن كعب، مع ما وصفناه من حالهم في حفظ القرآن، والتدين بضبطه

وقراءته وإقرائه والقيام به والرجوع إليه والعمل بموجبه» (٢).

وأمّا شبهة آية الأحزاب فقد جمع كاتِبُها بين الجهل والكذب والعدوان والتّدليس.

وتحقيق الأمر أنّ الصّحابة ? كانوا يحفظون الآية المقصودة، وهي قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (٣) بدليل قصة مقتل أنس بن النضر - رضي الله عنه - (٤) يوم أحد، حين أبلى بلاءً حسناً حتى وُجد به ما يزيد عن ثمانين ضربة بالسيف أو طعنة بالرمح أو رمية بالسهم، ولم تعرفه إلا أخته ببنانه، فقال أنس بن مالك - رضي الله عنه - (٥): «كنَّا نرى أو نظنُّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه. ثمّ قرأ الآية» (٦).

ولما طفق زيد بن ثابت - رضي الله عنه - ينجز مهمة جمع القرآن وفق منهجيّة عالية الدقة والتثبت


(١) هو أبو المنذر، أبيّ بن كعب بن قيس الأنصاري، سيد القراء. شهد العقبة وبدراً، وحفظ القرآن على حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -. كان رأساً في العلم والعمل، ومات في خلافة عثمان سنة ثلاثين. انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي ١/ ٣٨٩ - ٤٠٢.
(٢) انظر: الانتصار للقرآن، الباقلاني ١/ ٣٩٤.
(٣) سورة الأحزاب، الآية ٢٣. وهنا يتضح المظهر الأول لجهل هذا المشبه حين ذكر أنها الآية الثانية والعشرين.
(٤) هو أنس بن النضر بن ضمضم الأنصاري الخزرجي. عم أنس بن مالك خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. غاب عن غزوة بدر، ثمّ شهد أحد فأبلى بلاءً حسناً، وقتل يومئذ. انظر: الإصابة في تمييز الصّحابة، ابن حجر ١/ ٢٨١.
(٥) هو أبو حمزة، أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم الأنصاري الخزرجي. خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتلميذه، وآخر أصحابه موتاً. كان من المكثرين من الرّواية، ومات سنة ثلاث وتسعين. انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي ٣/ ٣٩٥ - ٤٠٦.
(٦) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسَّير، باب قول الله تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)، ح٢٨٠٥، ص٦٩٤.

<<  <   >  >>