للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما تجدون في التّوراة في شأن الرّجم؟»، فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - (١): "كذبتم إنّ فيها الرّجم"، فأتوا بالتّوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرّجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: "ارفع يدك"، فرفع يده فإذا فيها آية الرّجم، فقالوا: "صدق يا محمّد، فيها آية الرّجم"، فأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجما (٢).

وعليه؛ فالأمر في حادثة معينة وليس على إطلاقه. بل وفيه دليل على أنّ اليهود كانوا

ينسبون إلى التّوراة ما ليس فيها ولو لم يكن ممّا أقدموا على تبديله (٣)، وهو نوع من أنواع التحريف.

ثانياً: وأمّا الأمر بتحكيم الإنجيل فيريدون به قوله تعالى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (٤).

والمعنى هنا يحتمل أمرين.

أولهما: أنّ النصارى كانوا مأمورين بتحكيم الإنجيل في زمانهم.

والثاني: «ليؤمنوا بجميع ما فيه، وليقيموا ما أمروا به فيه، وممّا فيه البشارة ببعثة محمّد - صلى الله عليه وسلم - والأمر باتّباعه وتصديقه إذا وجد، كما قال تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} الآية، وقال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ


(١) هو عبد الله بن سلام بن الحارث. من خواص أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. أسلم مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الهجرة، وتوفي سنة ثلاث وأربعين. انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي ٢/ ٤١٣ - ٤٢٦.
(٢) رواه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب قول الله تعالى (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهو يعلمون)، ح٣٦٣٥، ص٨٩٤. ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنا، ح١٦٩٩، ٢/ ٨١٢.
(٣) انظر: فتح الباري، ابن حجر ١٢/ ١٧٢.
(٤) سورة المائدة، الآية ٤٧.

<<  <   >  >>