للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النبيين والمرسلين، وأنّه لما مُكر به رفعه الله إليه. وفي هذا نسف لعقيدتي الصَّلب والفداء، وهما -كذلك- محل إجماع الطوائف النصرانية.

ويدفعه -كذلك- الأمرُ الخامس من الردِّ المجمل (١)، وفيه أنّه لا يُقبل استدلالهم بالقرآن وفي عقيدتهم أنّه كتاب باطل، ليس هو كلام الله تعالى. ومع هذا نبين الرد على ما أوردوه.

فالاستدلال بمدح الله تعالى للتوراة والإنجيل على صحة ما فيهما اليوم أمرٌ غيرُ مسلّم، فإنّه -وإنْ كان المسلم يؤمن بإنزال الله هذين الكتابين- إلا أنّه يعتقد بتحريفهما وبنسخ القرآن لهما، بدلالة القرآنِ الكريم نفسِه الذي استدلوا به، وأنّ المدحَ منصرفٌ إلى أصل الكتابين المنزلين قبل تسلل اليد البشرية المحرِّفة الآثمة إليهما، وقبل نسخهما بالقرآن.

وعلى هذا المعتقد سار علماء التّفسير، ولهذا قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ} (٢)؛ قال: «{هدى للنّاس} أي في زمانهما» (٣).

ويدل على ذلك إخبارُ القرآن الكريم بتحريف أهل الكتاب للتوراة والإنجيل، ونهيُ النبي - صلى الله عليه وسلم - وغضبُه الشديد لما رأى بيدِ عمرَ - رضي الله عنه - شيئاً من التوراة.

وأمّا الاستدلال بأمر اليهود والنصارى بتحكيم التوراة والإنجيل، وإقامتهما، والوعيد الحسن لهم إن هم فعلوا ذلك؛ فبيانه كالتّالي:

أولاً: الأمر بتحكيم التوراة يريدون به قوله تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} (٤).

وهذه الآية لها سبب نزول. ذلك أنّ اليهود جاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكروا له أنّ


(١) انظر صفحة ٢٢٢.
(٢) سورة آل عمران، الآيتين ٣ - ٤.
(٣) انظر: تفسير ابن كثير ٢/ ٥.
(٤) سورة المائدة، الآية ٤٣.

<<  <   >  >>