للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحديث من رواية أنس - رضي الله عنه - أنه قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة). قال قتادة: قلت لأنس: أوَ كان يطيقه؟ قال: (كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين) (١).

وليس في الحديث ما أراد المنصرون إيصاله إلى أفهام النّاس من تمضية النبي - صلى الله عليه وسلم - جُلَّ أوقات ليله ونهاره في مخادع الجماع، فإنَّ عائشة ? وأرضاها تحدثت عن هذا الجانب الخاص من حياته عليه الصلاة والسلام فقالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفضل بعضنا على

بعض في القَسْم من مُكثه عندنا، وكان قَلَّ يومٌ إلا وهو يطوف علينا جميعاً، فيدنو من كلِّ امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو يومُها فيبيت عندها) (٢).

والجمع بين الحديثين أن يحمل المطلق في كلام أنس على المقيد في كلام عائشة، أو يحمل كلام عائشة على الغالب وكلام أنس على النادر (٣).

وهكذا يتضح أنّ هذا الصنيع كان في مرات نادرة، في زمن يسير من ليل أو نهار؛ ذلك أنَّ المرويات الصحيحة المتواترة من حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته ومع المسلمين في مسجده وحال سفره وغزواته، مع قيامه بالعدل بين زوجاته في المبيت -وإن كان وجوب هذا عليه؛ محل خلاف- وتمضيته الأوقات في الدعوة والتعليم، لا تدع موضعاً لإلصاق هذه الشبهة به، صلوات ربي وسلامه عليه.

مع أنَّ الطواف على الزوجات في الساعة الواحدة أمر اشترك فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع من سبقه من النبيين، فقد جاء في الحديث: (قال سليمان بن داوود لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلها تأتى بفارس يقاتل في سبيل الله، فقال له صاحبه قل إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله. فطاف عليهنَّ جميعاً فلم تحمل منهنَّ إلا امرأة واحدة فجاءت بشق رجل، وايم الذي نفس


(١) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الغسل، باب إذا جامع ثم عاد ومن دار على نسائه في غسل واحد، ح٢٦٨، ص٧٦.
(٢) رواه أبو داوود وصححه الألباني. انظر له: صحيح سنن أبي داوود ١/ ٥٩٣ - ٥٩٤.
(٣) انظر: رد شبهات حول عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - في ضوء السنة النبوية الشريفة، عماد السيد الشربيني، رسالة دكتوراه من جامعة الأزهر عام ١٤٢٣هـ، ص٤٦٦.

<<  <   >  >>